ولاة كفاءات

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

كان الوالي- ذات زمنٍ- عينَ الحكومة وسمعها ويدها، وكان له الكلمة الفصل في الولاية التي "يحكمها"، وكان الناس يرون فيه هيبة الدولة، وصرامتها، فبيده تُقضى الحوائج، وبيده تُفض المنازعات، وبيده تُضبط الأمور، وكلمته مسموعة، ويده نافذة، وأوامره مُطاعة، ولم يكن اختياره اعتباطياً أو عشوائياً، فهو ابن الشيخ الفلاني، ابن القبيلة العلانية، ابن الأسرة الأثيرة، وله خصال وسمات شخصية يقوم عليها التعيين؛ لأنه يمثل الحكومة المركزية، ولأن عُمان كانت في تلك الحقبة دولة قبلية بامتياز، وكان لتلك المرحلة ظروفها، وحساسيتها التي أدركها كل الحُكّام.

غير أنَّ الزمن اختلف، والأحوال تغيَّرت، وغدت عمان دولة مؤسسات، لا دولة قبائل، وأصبح الهيكل الإداري للدولة أكثر تنظيمًا، ولم يعد الزمن هو الزمن، ولم تعُد الأمور كما كانت؛ فالاستقرار السياسي والاجتماعي الذي تحظى به الدولة يحتم عليها البحث عن آلية بديلة لاختيار وتعيين الولاة، وهذا ليس تقليلًا من شأن من سبق منهم، ولا تسفيهاً لدور والٍ، أو تجاوزًا للجُهد الذي بذله كثير منهم، ولكن لم يعد الزمن زمن ولاءات، ولا زمن توريث للمناصب، ولا زمن احتكار فئة دون أخرى لمنصب مُعين، ولم تعد الدولة كما كانت بحاجة إلى تركيز واختزال دورها في شخص والٍ بذاته، فالحكومة- خاصة الحكومة الحالية- منذ تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم، تتجه إلى اجتذاب الكفاءات في كل القطاعات، ورفع قيمة العمل لدى كبار المسؤولين، وتعظيم المواطنة لدى أفراد المجتمع؛ لذا فإنَّ تلك الرؤية الثاقبة يجب أن يندرج تحت إطارها كافة القطاعات بما فيها تعيين الولاة.

إنَّ توجه الحكومة إلى اللامركزية الإدارية والمالية، وما يقتضيه ذلك من عملية تخصصية في مسائل مالية واسعة، ومتشعبة، ومعقدة، يحتم على الدولة توسيع دائرة اختيار وتعيين الولاة والمحافظين، وأن تتاح هذه المناصب للكفاءات العلمية والعملية من كافة المواطنين الذين تنطبق عليهم الشروط، فليس شرطًا أن يكون الوالي أو المحافظ سليل الشيخ الفلاني، أو الأسرة العلانية، أو العائلة التي قدمت خدمات جليلة للدولة في فترة الاضطرابات القبلية التي عفا عليها الزمن، وليس شرطًا أن يكون اختيار الوالي حكرًا على موظفي وزارة الداخلية دون غيرهم؛ فالمرحلة تحتاج إلى اجتذاب الكفاءات التي أثبتت جدارتها في مناصبها، والتي يحتاجها الوطن لتحقيق مستقبله، وتمكين الكفاءات الوطنية من لعب دورها الحقيقي في بناء الدولة الحديثة.

لا شك أنَّ كثيرًا من الولاة- السابقين أو الحاليين- قدموا الكثير، وبذلوا جهدهم ووقتهم شأنهم في ذلك شأن كل مُواطن في جهة عمله في هذا الوطن، ولهم كل الشكر والتقدير، ولكن حان الوقت للتغيير، واختيار آلية مختلفة لتعيين الولاة، وفك احتكار أبناء فئة اجتماعية معينة لهذه المناصب الحساسة، وذات الأهمية البالغة خاصة في ظل توسيع دائرة اللامركزية المالية والإدارية للمحافظات، وكذلك لمواكبة تطور وإدارة الموارد البشرية والاقتصادية للدولة الحديثة، التي لم تعد تعترف بتوريث المناصب، واحتكارها، فكل مواطن قادر على العطاء، والبذل، والإنجاز، ولا أعتقد أن لـ"الجينات الوراثية" دور في اشتراطات التعيين والتوظيف في منصب دون غيره، فالدولة الحديثة بحاجة إلى "ولاة كفاءات".