لا تكفُّوا عن الأمل..!

 

 

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

 

(1)

في البدايات 

تبدأ قصة الحب كشعلة، وتنتهي في أروقة المحاكم كصفعات مُتلاحقة؛ لتذكِّر الإنسان بطبيعته الحالمة والمتطرِّفة، بينما في الحبِّ يصلُ إلى حدود التطرُّف والشراسة، ويقدِّس تلك الهالة الحالمة من الكمال، فينزِّه حبَّه ومحبوبته عن كل نقص؛ وبعد الصفعات والصدمات ينقلبُ الإعجاب إلى ضدٍّ تمام، ويُوغل متطرفاً في بشاعة الكُره والانتقاد.

جريمةُ الوجه الواحد المُشِع هي التغافل عن الأوجه الأخرى المُظلمة؛ تكتظ المشاعر في اتجاه التطرُّف دون مُحَايدَة أو توقُّف فتتشوَّه ذكرى البدايات.

ليتَ بعض القصص تتوقَّف عند البدايات فقط.

 

(2)

بداياتُ الأمل مُظلمة

لا مَنجى ولا مَنفى ولا مَرسى.. هي الحياة تُقلِّبك على كل أوجهها، فتشعرُ أنك ظَمِئ، وتُغدق عليك بمائها ثمَّ تكتشف أنَّه سراب، وتكرِّر المحاولة وقد تشُك بنفسك وقوَاك وعقلك، فتحملُ حجراً تشجُّ به رأسك لتتأكَّد من انتباهك، وتكتشف أنَّك ترتشفُ جرعات من السَّراب، فتخور قواك، وتفقد همَّتك، وتتخبَّط في نفق الأمل المُظلم، وتتساءل: هل كُنت على صواب؟

بداية الأمل خَسَارة يعوِّضها ما تحصده من انتصارات لاحقة؛ سواء في حياتك أو عملك أو هواياتك، لكنَّ المُؤلم المُفرح أن تشاهد سقوطَ من حولك كذُباب، فقد آن الأون لها أن تتخبَّط في نفق الأمل المُظلم، لتخرجَ سليماً دون زوائد سلبية.

قد تكُون بداية الأمل المُظلمة ضرورة.

 

(3)

عن الندم أحكي...!

ستُحِبُّ وتَكره من تحبه يوماً، تلك حقيقة؛ فكلُّ ما يلمع عن بُعد وفي غير متناول يديك سيستهويك، وإذا اقتربت منه ستنجلي لك جوانب خفية لم يُدركها بصرُك عن بُعد، وستبدأ رحلة التفحُّص والبحث عن العيوب، ويتسلَّل الندم إلى قلبك.. فهل فعلاً ستندَم؟

أعتقد أنَّ عالم العمل والمهنة زاخرٌ ومبدعٌ ومتنوِّع، مُتخم بالأفكار والانتماءات والحوارات؛ فكأنك صُدِمت بجدار عِملاق من الروتين المريض، والمنافسة فيه تسمح باستخدام كل الأسلحة الممكنة (قيل وقال وقلنا وقالوا..)، إلى أنْ يَصِل إلى تهميش وتهويش.. المهم، هو استخدم ما يُوجِع، وفلا يُسمح باستخدام وجهات النظر أو الحوار أو الاعتراض.. المهم أن تُوجِع، وإذا أوجعته في "لقمة عيش" فهذا أفضل.

استبعِد الكفاءة، وقرِّب من يتَّفق معك، فالمنطق يقُول يجب أنْ تَنْدَم، ولكن واقعيًّا الندم هو بحد ذاته تردُّد، وخطوة للخلف.. فهل أضيِّع وقتاً على الندم؟

لا تجُر ساقك لبوتقة الندم، فهي مَضْيَعة.

 

(4)

في الأماني والمتاعب

حين تُرهِقك المتاعب، تتشبَّث بستار الأماني مُرْهقاً؛ ففي بدايات الحكايات قلبُك ينبض شوقاً، وعند دخولك نفقَ الأمل المظلم يخبُو نبضُه، وعند الندم يضعف، عندها فقط تبحَث عن ستار الأماني بعد أن أرهقتك المتاعب.

قد تَصِل مُنتهي أمانيك إلى حياة بعيدة عن الضوضاء في مزرعة أو قِمَّة مرتفعة أو مقهَى مُنزوٍ في رُكن هادئ وبعيد عن المتطفِّلين. رُبما من الأفضل أخذ فسحة من العزلة لتطهير النفس وتجديد حياة الأمل فيها؛ كما هي الحال مع الكاتب الأمريكي جيروم سالينغر، الذي ألَّف رواية "الحارس في حقل الشوفان"، والذي قرَّر العُزلة ليكتب لنفسه وبمفرده، فاشترى بيتاً في منطقة ساحلية وعاش في عُزلة اختيارية.

ومع بداياتك.. هل دَخلت إلى نفقِ الأمل المُظلم: زاحفا، أم مُهرولا، أم مُتكاسلاً؟ وهل عبَرت بوتقة الندم أم لا؟ وهل ما زلت تتشبَّث بستار الأماني، أم قرَّرت التطهير الذاتي؟

لا أعرف ما ستختارونه، ولكن أعرف أنَّ الحياة تجري، وأثقالُها كثيرة والواقع يتغيَّر؛ فلا تكفُّوا عن الأمل.