أنيسة الهوتية
الجميع يتحدث عن الانتعاش المالي والتجاري المتوقع في الفترة المُقبلة للمشاريع المذهلة والذكية في شتى المجالات المتنوعة من سياحة، وتجارة، واقتصاد، ورياضة، وثقافة، وتراث..إلخ! ولا أريد أن أكون شخصًا سلبيًا، إلّا أنني فعلًا لا أتوقع أي انتعاشٍ مالي لأيِّ تجارة أو مشروع قادم بسبب المثبطات التالية: غلاء المعيشة، وضعف الرواتب، وشح الوظائف، وصعوبة إنعاش المشاريع الشخصية لذات الأسباب!
فمن أهم مسببات إنعاش كل ما ذكر سابقًا وجود المستهلك بأي صورةٍ كان حسب نوع البضاعة التي نود منه استهلاكها، فالمواد الاستهلاكية المعروضة للبيع في حال عدم وجود المستهلك لا تستهلك وتصبح بضاعة راكدة تتراكم فتصبح جبلاً للعثرة وليس فقط حجراً بسيطاً يمكن إزالته عن طريق النجاح ومواصلة السير بسلام مشياً على الأقدام أو العجلات أو حتى العكازات!
وكأبسط مثال نسبة شراء الكتب في معرض مسقط للكتاب كانت منخفضة جدًا مقارنةً بالسنوات الماضية، هذا والشعب العماني شعب لديه نهم قرائي من الصغار إلى الكبار! أي نعم وإن هذا الشره والنهم قد قلت نسبته عمّا مضى بسبب توفر مصادر إلهاء أخرى كمنصات التواصل الاجتماعي التي تلهيه عن مصائب الحياة وهمومها، فيتبعها بحجةٍ أنه يتسلى بها والحقيقة، أنها هي التي تتسلى به و"تلحس عقله"؛ لأنها أصبحت ملغومة. وطبيعة الإنسان الذي يبحث عن التسلية لن يبحث عن العلم والثقافة بحجم بحثه عن اللغو، والغوغائية، و"المسخرة" والتي كانت السبب الأكبر في اشتهار من لا يستحق على تلك المنصات لأنهم لا يحملون سوى ما ذكر دون وجود رسالة إيجابية للمجتمع وللأجيال القادمة، سوى إقفال العقول عن التفكير والذي لن يجلب سوى المصائب الاجتماعية.
لا أنكر حاجة الإنسان إلى الفكاهة أحياناً كحاجتنا للسكر في أطعمتنا ولكن بنسبةٍ بسيطة وإلا فإن داء السكري سيدخل إلى أجسادنا دون أن يطرق الباب! وأيضاً هذا ليس سبباً كافياً للانسحاب إلى نسبة أقل من النصف في مبيعات الكتب التي كانت متنوعة بكثرة وشهية كالثمار التي تتدلى من على تلك الشجرة بأشكالها وألوانها ونكهاتها التي لا تنتهي، مع ذلك لم يقطف منها إلا القليل! أتعلمون لماذا؟ لأن المواطن يغرق في بقعة رمالٍ متحركة تسمى غلاء المعيشة.
نعم، فقبل أن يشتري كتاباً قيمته خمسة ريالات سيُفكر بأن هذه الخمسة ريالات ستنفعه لشراء نعلٍ جديد لابنه في العيد! وأيضاً الريالين كقيمة لكتابٍ آخر ستنفعه لشراء جونيتي بصل وثوم من الحجم الصغير مع نصف كيلو ليمون لأجل راشن البيت تكفيه لأسبوع ربما إذا كانت عائلته صغيرة!
وأغلب من كان يُعاند نفسه ويشتري من تلك الثمار الثقافية والأدبية كان إما من فئة الشباب المبتدئ في عمره لا مسؤوليات إلزامية شهرية عليه سوى مصروفه الشخصي، أو طفلاً جاء ليشتري بتحويشته كتباً للأطفال، أو شخصاً لديه ارتكاز مادي لن تتضرر حاجته الاجتماعية إذا اهتز قليلاً عن ثباته! أما الأغلب فكانوا ينتظرون متى يحصلون على فاكهةٍ إهداء حتى يستمتعون بنكهتها ويخرجون من فرحة العيد بشيء قليل يسعد قلوبهم ولا يكونون كمن قيل عنهم: (خرج من المولد بلا حمص)، ويكفي هذا المثال البسيط كتشبيه لذلك لن آتي بغيره.
ولكن وفي النهاية سأقول بأن الوسيلة الوحيدة لإنعاش المشاريع التجارية والاقتصادية والسياحية وغيرها هو إنعاش جيب المواطن بالمال من خلال رفع الرواتب، وتوفير الوظائف، فإن المواطنين من الطبقة المتوسطة إلى الأقل تدريجياً هم النسبة الأكبر من الكثافة السكانية العمانية، وبانتعاشهم المادي ستنتعش كل المشاريع المستقبلية، وبدون ذلك سيبقى كل شيء "بضاعة راكدة" هذا إذا لم تتعفن!