حاتم الطائي
◄ العالم يواجه خطرًا محدقًا هو الأسوأ منذ "الحرب الباردة"
◄ نظام ثلاثي الأقطاب يتشكل من حولنا مع تلاشي "الأحادية"
◄ المنظومة العالمية تتعرض لحالة من اللايقين السياسي والاقتصادي
منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها بعد أن حصدت أرواح عشرات الملايين وشرَّدت أضعافهم وهدمت دولًا بأكملها، وما أعقب ذلك من سقوط إمبراطوريات وتفكك اتحادات، وما تلى ذلك من حرب باردة كادت أن تضع العالم على شفا حرب نووية، لم يُواجه العالم خطرًا مُحدقًا كما هو الحال الآن في خضم الصراع العسكري الدائرة رحاه على الأراضي الأوكرانية، ليس فقط لأنَّ المعركة ليست بين روسيا وأوكرانيا وأنها ربما تكون وجهًا آخر من أوجه الحروب بالوكالة، لكن لأنَّ الطرف الأقوى الآن في هذه المعركة دولة عظمى، مهما اختلف أو اتفق البعض على هكذا وصف!
في زمن الحرب- وأقصدُ هنا حربًا واسعة النطاق على مستوى عالمي- لا مجال للقول إننا بعيدون عن لهيبها أو إننا في مأمن من شَرَرِها، فكُل صاروخ ينطلق من قاعدته ويسقط على هدف ما، وكل دبابة تتحرك في المعارك، وكل جندي يسقط وكل طلقة مدفع تُضرب، كل ذلك يُؤثر علينا بصورة مباشرة وغير مباشرة. وعلى الرغم من أنَّه حتى الآن الكثير من الدول تُبدي حيادًا تجاه هذه الأزمة، لكن الواقع يشير إلى أنَّ مجريات الأحداث تتجه نحو تشكُّل نظام عالمي جديد، لن تكون فيه السيادة والهيمنة لدولة واحدة أو تحالف بعينه خلف دولة عظمى، ولكن نظاما متعدد الأقطاب، لا أقول نظامًا ثنائيًا كما كان إبان المُعسكرين الشرقي والغربي؛ بل نظام ثلاثي وربما رباعي الأقطاب. هذا النظام الجديد والمُحتمل سيتمخض من رحم الأزمة الحالية، فروسيا برهنت للجميع أنَّها قوة عظمى عائدة إلى المشهد العالمي بصورة لا تقبل النقاش، والصين تُعزز من قوتها وبالتأكيد أنها ليست في حاجة إلى الغرب؛ بل إن الغرب بما فيه الولايات المتحدة، لا يستطيع العيش بدون الصين ومُنتجاتها وموادها الخام. وإلى جانب روسيا والصين، يبرُز عدد من الدول سواء في منطقتنا الخليجية أو الشرق الأوسط أو حتى ما يُسمى بـ"الشرق الأوسط الكبير"، كثيرون يدركون الآن أنَّ الفرصة سانحة لإقامة تحالفات جديدة وبناء شراكات- اقتصادية أو سياسية- على أنقاض النظام العالمي الحالي الآخذ في التداعي. لا أقول إنَّ النظام العالمي الحالي سيسقط فورًا أو أن الحرب الروسية في أوكرانيا ستكون هي المعركة الفاصلة؛ بل إنها تمثل اللحظة الحاسمة لمختلف القوى أن تبدأ البناء وفق مصالحها وأن تُعزز من قوتها في هذا العالم الجديد، والذي قد يستغرق إعادة تشكله سنوات ليست بالقليلة، فتداعي المنظومة العالمية يشبه "سقوط أحجار الدومينو" وهي نظرية مُعتبرة في العلوم السياسية.
لكن قبل أن نصل لهذه المرحلة، سنظل نعيش في "زمن الحرب"، الذي يتَّسم بعدم الاستقرار، ومحاولة البعض القفز فوق الأحداث وسعي آخرين للقيام بأدوار تتخطى قدراتهم، لكنهم يعلمون جيدًا أن "غنائم الحرب" عديدة في هذه الفترات من اللايقين السياسي والاقتصادي.
وعلى الجهة الأخرى، علينا أن نُدرك أنَّ زمن الحرب يفرض تحديات اقتصادية غير مسبوقة، فارتفاع الأسعار وتأثر الاستثمارات وتنامي الشكوك حول تعافي الاقتصاد العالمي، وغيرها الكثير من التداعيات ستلقي بظلال سلبية على جميع دول العالم، فلسنا نتحدث عن صراع محدود؛ بل إنها سلسلة من المعارك قد يطول أمدها، والمؤكد أنَّ تأثيراتها السلبية ستمتد بين 5- 7 سنوات.
ويبقى القول.. إنَّ اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لضمان أمن المنطقة واستقرارها، يتطلب توافق الرؤى حول العديد من الملفات الإقليمية وهو ما نراه يمضي في الاتجاه الصحيح على مختلف الصعد، إلى جانب السعي الحثيث لتعزيز الأمن الغذائي والبحث عن مصادر بديلة لتأمين الواردات الغذائية وخاصة الحبوب، والأهم من ذلك كله التزام الحياد الذي ثبت بالتجارب العديدة أنَّه طوق النجاة الأول من أتون الصراعات، إقليمية كانت أو دولية.