الاحتيال على التعمين

 

أنيسة الهوتية

لَن أذكُرَ هُنا أسماءَ المؤسسات الكبيرة، والصغيرة، والضخمة جدًا التي استغلت واحتالت على نسب التعمين في قانون العمل خلال الفترة الماضية مع دمجها بجدارة ودقة منظومة "إجادة" التي بدأت وزارة العمل تطبيقها، إن كان تقييمهـ/ـا سيئا، معَ سبق الإصرار والترصد على وضع التقييم السيئ، ومَن ثم تهديدهـ/ــا بالفصل أو أن يستقيل! والأغلب بلا حول ولا قوة اختارَ الاستقالة حُتى يُكرِمَ سجلهـ/ـا المهني. واعذروني على كثرة (الهـ/ـا) هُنا، وذلك للتوضيح على أن الاحتيال كان ضحاياهُ مِن الجِنسين، ذكرا أو أنثى دون استثناء.

بعد منتصف عام 2021، طرحت مؤسسات وشركات عِدة وظائف شاغرة للعُمانيين بمناصب ورواتب شبه عالية، وفعلاً تمَّ عمل المقابلات الشخصية لعدد كبير ثم توظيف بعضهم بالمنصب وبالراتب الذي كان أشبه بحلمٍ يتحقق لبعض الشباب العاطل منذ دهورٍ طويلة والبعض الآخر الذي تم تسريحهُ من عمله، والبعض الآخر الذي ترك وظيفته الثابت عليها وتوظف هُنا حتى تتسهل عليه المعيشة فالراتب الأكبر والمسمى الوظيفي الأفضل لطالما كان وسيظل حُلم كل موظف مجتهد وغير مجتهد.

وهُناك من توظف في مجال عمله السابق إن كان يعمل، وهناك من توظف في مجال دراسته إن كان مُبتدئاً وهناك من توظف في مجالٍ مُختلفٍ تماماً عن مجال عمله السابق أو دراسته وبقناعة تامة لأنه تم وعده بأنه سيتم تدريبه على مهامه الوظيفية الجديدة وبعد إكمال فترة التدريب سوف يستلم مهامه المخصصة لهُـ/ـا وسيبدأ بها ومن ثم سيتم تقييمه التقييم الأخير الذي سيقرر مصيره فيما إذا سيبقى معهم أو لا! وفي ظلِ شُح الوظائف وحاجة المواطن للوظيفة حتى يضمن لنفسه حياةً كريمة من المستحيل أن يستهين في أدائهِ الوظيفي خاصة في تلك الأشهر الأولى، ولكن كانَ هُنا مربطُ فرس مسؤولي هذه المؤسسات وحُجتهم والتي هي وبسبقِ إصرارِ وترصد، أنَّ الموظف هذا لن يتم تثبيته وبعد أن يحصلوا على المأذونيات التي يحتاجونها سيتم تقليصهم واحداً تِلو الآخر بتقرير مسؤوله المباشر الذي هو من ضمن "اللوبي" ويتم وضع الموظف "الطُعُم" في الأمر الواقع بأنَّ أداءه الوظيفي كانَ سيئاً وبأنهم سوف يفصلونه من العمل، إلا إذا كان هو يُفضل تقديم استقالته لحفظ كرامته وماء وجهه في سجلات القوى العاملة حتى لا تكون عليه نقطة سوداء في مستقبله المهني وَيرجع إلى نقطة الصفر بكونهِ مواطن عُماني مُجِد باحث عن عمل، بدل أن يكون مواطنا عمانيا فاشلا باحثا عن عمل... وفعلاً، قدَّم أغلبهم استقالاتهم بعد ذلك الابتزاز وتَم إنجاز الجريمة بنجاحٍ وتقدير، وبناءً على ذلك النجاح المُقزز سيتم تقدير هؤلاء المديرين والمسؤولين الخبثاء برفع رواتبهم ومناصبهم لأنهم وفروا ميزانية المؤسسة من خلال الاحتيال على قوانين الدولة، واستخدام أبناء هذا الوطن كَطُعم لصيد مآربهم ومن ثم رميهم في البحر مرةً أخرى!

والحقُ أن الموظف العُماني ليس فاشلاً، ولا جاهلاً، ولا غير قابل لتحمل مشقات العمل، كما يصفهُ أو وصفهُ بعض محاربيه من الأجانب ومن بني جلدته لحاجاتٍ في نفسهم، إنه موظفٌ كُفء نشيط محارب مجتهد يتطور في شتى مجالات عمله، ولكنه يحتاج فقط إلى التقدير والاحترام وعدم المقارنة بينه وبين الوافد في الحضور والانصراف و"الأوفرتايم"، فالوافد ليست معه عائلة تمتد جذورها إلى قاع تربةِ هذا الوطن، وعليه أن يُكمل واجبات صِلة الرحم والمجتمع حتى يحافظ على ترابط لبنة المجتمع العُماني ألا وهي الأسرة في المقام الأول! وإن لم تترابط هذه اللبنة فالمجتمع كله سينهار.

وللجهات المسؤولة ستكتشفون أسماء هذه المؤسسات من خلال سجلات التوظيف والاستقالات، وليس "التفنيش" أو التسريح!