"حادثة المدرسة".. ومسؤولية "التربية"

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

فيديو لعامل وافد يصول ويجول بهاتفه في إحدى المدارس الحكومية المُختلطة (بنين وبنات)، ويقوم بتصوير الطلبة والطالبات والمُعلمات، وما تقع عليه عينه في المدرسة، وتحت سمع وبصر الإدارة المدرسية، يكشف عن خلل آخر في منظومة التربية والتعليم، خلل أخلاقي خطير، لا يُمكن التهاون فيه، ولا السكوت عنه، ويجب محاسبة من يقف خلفه، وسمح به.

لا أعني هنا تلكمُ المدرسات اللاتي ظهرن في الفيديو، ولا العامل الوافد الذي قام بالتصوير، ولا أولئك الصغار الذين تمَّ تصويرهم، ولا حتى شركة النظافة التي تمَّ تكليفها بأعمال النظافة؛ بل أعني بذلك من سمح لمثل هذا الفعل أن يتم في مدارس للبنات، أو مدارس حكومية مختلطة تشرف عليها وزارة من أضخم الوزارات في الدولة- ماليًا وإداريًا- وهي وزارة التربية والتعليم، وأعني بذلك من سمح بالتعاقد مع شركات توفر عمالا ذكورا؛ سواء وافدين أو غير وافدين في مدارس للبنات، وذلك الذي تغاضى عن اختراق هذا الساتر التربوي والأخلاقي والتعليمي الذي نُراهن عليه، وكنَّا إلى وقت قريب نعتقد أنه مُصان، ولا يمكن التعدي عليه!

فيديو واحد كشف المستور، وهتك غلالة المخبوء، واستفز أولياء الأمور، وحرّك شعور كل غيور، وربما ما خفي كان أعظم، وأدهى وأمر. فكيف تسمح وزارة التربية والتعليم بالتعاقد مع شركات أو أفراد ذكور للعمل في مدارس للبنات أو للصغار؟ وكيف سمحت إدارة المدرسة ومديرية المحافظة بوجود عمالٍ وافدين بين المعلمات يصولون ويجولون، ويصورون، ويتبجحون، وينشرون، ويسخرون، ويتهامزون، ويتلامزون؟ ولماذا لم تعترض المعلمات اللاتي ظهرن بالفيديو على هذا العمل المشين؟ وهل يكفي أن تنشر مديرية التربية والتعليم بالمحافظة تنويهًا أو اعتذارًا خجولًا، ووعدًا بالتحقيق في الحادثة؟!

قبل سنوات تم الكشف عن اختلاسات بملايين الريالات، ومشاريع لمدارس وهمية في وزارة التربية والتعليم، وكانت صدمة كبيرة أصابت الشارع العُماني حينها، ورغم ذلك تمت لملمة الأمر، ومحاسبة الموظفين المختلسين، ثم عادت الحياة إلى طبيعتها، وكأنَّ شيئًا لم يكن، واعتقدنا أنَّ الوزارة ستقوم برقع الفتق الذي أصاب إدارتها، وعلاج الخلل الذي أدّى إلى تلك الكارثة، غير أنَّ ما يحدث في بعض المدارس- أحيانًا- من تجاوزات- غير تربوية- قد تكون أخطر من الاختلاسات، وهو يشير إلى أن هناك علاقة متأزمة بين الوزارة وبين أمور التربية والتعليم، يجب الانتباه لها، والسيطرة عليها قبل فوات الأوان.

هناك تقارير وتحقيقات صحفية منشورة في الصحف المحلية، وتقارير يعرفها جيدًا المسؤولون في وزارة التربية والتعليم، ويتداولها حتى المعلمين وأعضاء الإدارات المدرسية عن آفات وانتهاكات خطيرة في المدارس، وانتشار لبعض العادات الذميمة مثل التدخين، واستعمال المؤثرات العقلية، والمجرّمة قانونا مثل: "تمباك" و"أفضل" وغيرها، وأمور أخرى لا تمت للتربية بصلة، مما يستدعي تدخلًا عاجلًا وجذريًا لاقتلاع مثل هذه الآفات السيئة التي تدمر بيئة التعليم، وبالتالي تهدم أركان المجتمع الأخلاقية، وهذه مُهمة الوزارة، ورسالتها، وأمانتها التي أوكلت إليها.

ورغم أنَّ وزارة التربية والتعليم والجهات الأمنية تبذل جهدها لاجتثاث مثل هذه الآفات التي تغزو المجتمع، والتي قد تبدأ من سن المراهقة -وهي السن التي يكون فيها الطلبة والطالبات على مقاعد الدراسة- غير أنَّ هذا الجهد يبدو أنَّه غير كافٍ للقضاء على مثل هذه التصرفات في المدارس سواء الحكومية أو الخاصة، مما يستدعي تشديد الرقابة، واستخدام طرق ووسائل حديثة لمُراقبة ما يحدث بين جدران المدارس.

وعودة إلى "حادثة تصوير العامل الوافد"، والتي تعد انتهاكًا لحرمة المدرسة، وخصوصية الطلبة والعاملين فيها، وما سيحصل في "التحقيق" الذي ستجريه المديرية، إلّا أنَّ وجود عمال نظافة رجالا في مدارس الصغار أو البنات أمر يجب إيقافه فورًا، وإلزام شركات النظافة بتوفير عمالة من النساء، أو أن تؤجل عملية التنظيف إلى ما بعد فترة خروج الطلبة والطالبات من المدارس على أقل تقدير، إما أن يظل الوضع على ما هو عليه، فذلك معناه تفريط في جزئية "التربية" التي تسبق "التعليم"، وهذا ما لا نعتقد أنَّ الوزارة ترضاه، ولا نرضاه لأبنائنا.