قانون الذكاء الاصطناعي

 

أحمد بن سليمان العبري

يشهد العالم تطورات صناعية وتكنولوجية سريعة في عصر الذكاء الاصطناعي، الذي يُعد وسيلة للتحكم بالآلات الذكية كالرجل الآلي والطائرات دون طيار والسيارات ذاتية القيادة، ويعرف بأنَّه " أحد علوم الحاسب الآلي التي تبحث عن أساليب متطورة لبرمجتها ليتمكن من القيام بأعمال والوصول لاستنتاجات تشابه ما ينسب للإنسان"، وقد أقرَّ القانون العُماني بالذكاء الاصطناعي عندما أشار في تعريفه للطائرات دون طيار إلى خوارزميات الذكاء الصناعي التي تعد وسيلة للتحكم ببعض الآلات الذكية.

ومع المزايا التي تُقدمها الآلات الذكية، إلا أنه لها مخاطر كثيرة في الواقع العملي وينتج عن ذلك العديد من المشكلات القانونية، حيث قد ينتج عن عمل تلك الآلات بالاعتماد على ذكائها التراكمي المصطنع العديد من الأضرار، في ظل غياب النصوص القانونية التي تُنظم استخدام تلك الآلات حتى الآن، وقد ألقى ذلك على عاتق القانونيين عبء إيجاد الحلول القانونية، الأمر الذي يلزم معه تأطير استعمال تلك الآلات قانونيًا، حرصاً على ضمان تعويض المتضررين، الذين قد لا تلبي القواعد العامة سعيهم وراء ذلك.

إحدى المسائل القانونية التي يثيرها استخدام الآلة الذكية، هي صعوبة تأسيس المسؤولية القانونية عن أضرارها، وتحديد الأساس القانوني الملائم لطبيعة عمل هذه الآلات؛ حيث إن المستخدم يفقد السيطرة الفعلية، وهي أحد شروط نظرية مسؤولية حراسة الأشياء الخطرة، وذلك نتيجة استقلالية تلك الأجهزة في اتخاذ القرارات، ونتج عن اجتهاد جانب من الفقه القانوني أن من يقوم بتشغيلها قد قَبِلَ تحمُّل تبعات المخاطر والأضرار الناشئة عنها، وهو بذلك يُعد متعديًا وقائمًا بفعل الإضرار بالتسبب، وفقًا لأحكام فقهية إسلامية، وقد أخذ قانون المعاملات المدنية العماني بمسؤولية الإضرار بالتسبب، والتي قد تكون منجا للمتضررين من الآلات الذكية، علاوة على أنه أخذ بالنظرية الموضوعية وعدم اشتراط الخطأ لقيام المسؤولية وجعلها مبنية على فعل الإضرار فقط.

ولا تقف مشكلات الآلات الذكية عند هذا الحد، بل كذلك في عدم تنظيم موضوع التأمين عليها، باستثناء تأمين الطائرات دون طيار الذي لا يزال غير فعال ومحل انتقاد، حيث لم يصل إلى التنظيم الكافي على غرار تأمين المركبات، على نحو يضيف مزيدا من الأمان للمجتمع وحماية للمتضررين جراء استخدام الأجهزة الذكية، ويضع حدود العلاقة بين المؤمن والمؤمن له، علاوة على عدم بيان أحكام عقد التأمين في قانون المعاملات المدنية، التي يمكن أن  تضع الأطر الرئيسية لجميع اللوائح التي تختص بتأمين أي شأن مستحدث، ويسد الفجوة التشريعية في هذا الجانب لحين صدور تنظيم استخدام الأجهزة الذكية أو قانون للذكاء الصناعي.

وقد سعت بعض الدول نحو تدارك ذلك من خلال وضع النصوص القانونية؛ حيث أصدر البرلمان الأوروبي قواعد القانون المدني الخاص بالأجهزة الذكية "الربورتات" في 2017، والتي قرر من خلالها تحميل المسؤولية المدنية الناشئة عن أعمال الأجهزة الذكية للأشخاص المسؤولين عن تصنيعها أو استخدمها، وذلك بسبب عدم محاولتهم تفادي أفعال تلك الأجهزة التي قد تسبب أضرارا، دون اعتبار الآلة الذكية شيئاً ودون افتراض الخطأ، فتقوم المسؤولية الناشئة عن أفعال الآلات الذكية على النائب الإنساني، أو كما سماه الفقه "قرين الروبوت".

وقد جاء ابتكار نظرية النائب الإنساني في محاولة لمجاراة التطور الحاصل في عالم الآلات الذكية، إلا أن تلك النظرية لم تكن منطقية، فطالما لم تمنح تلك الآلات الشخصية القانونية فيصعب القول بالنيابة عنها من قبل البشر، والواقع العملي يجعل مهمة النائب المشار إليه الوحيدة هي جبر الأضرار التي تخلفها الآلات الذكية، الأمر الذي يجعل دوره لا يختلف عن دور الحارس المؤطر من خلال قواعد القانون المدني وإن اختلفت المسميات.

لذا.. نرى ضرورة دراسة إصدار قانون الذكاء الاصطناعي يختص ببيان أحكام المسؤولية القانونية الناشئة عن استخدام الآلات الذكية وتأمينها بما يناسب خصوصيتها، حيث لابد خلال المرحلة القادمة أن يلامس المجتمع هذه الآلات بشكل يومي مثل السيارات ذاتية القيادة والرجل الآلي والطائرات دون طيار، ويمكن أن يعتبر القانون الأوروبي للربورتات مرجعا للاسترشاد في ذلك مع التحسين والتطوير بما يناسب البيئة التشريعية بوجه عام في السلطنة.

تعليق عبر الفيس بوك