مخاض ولادة إمبراطورية!

 

حمد بن سالم العلوي

إنَّ الذي يجري اليوم على أرض أوكرانيا، يعد مخاضاً حقيقياً لولادة إمبراطورية روسيا القيصرية على يد "الدكتور" فلاديمير بوتين، وستكون ولادة طبيعية وفي وقتها المناسب، وأعجبني تحليل مرّ من خلال شبكة التواصل الاجتماعي يقول إن روسيا تعمل على استعادة الإمبراطورية القيصرية، وإيران تعمل على استعادة الإمبراطورية الفارسية، أما العرب فبعضهم يعملون على استعادة الجاهلية!

وحقيقة أوافق هذا الفيلسوف الذي شخَّص الوضع الراهن بهذه الدقة، فالكل أصبح يحنُّ إلى الذي فقده، فالعرب لم تكن لهم إمبراطورية لكي يحنُّوا إليها، عدا "الإمبراطورية العُمانية" وتلك حالة استثنائية خارجة عن الطوع العربي، فهناك من العرب من حاول إخضاع عُمان بالترهيب والترغيب حتى يكونوا مثلهم، ولكنهم أبوا إلاّ الخروج عن طاعتهم وأصرُّوا على طاعة الله وحده، سواء أكان ذلك قبل الإسلام أم في عهد الإسلام، وهنا أنا لا أمتدح عُمان لأنَّها بلدي، ولكن أتاها الامتداح على لسان أطهر خلق الله محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هذا لأنها كانت حقًا مختلفة وما زالت برحمة من ربِّ العالمين.

إذن؛ عودة النَّاس إلى ما كانوا عليه، طبيعة بشرية بل غريزة تظل كامنة في النفوس، حتى إذا وجدت غفلة من الزمان عادت تلقائياً إلى ما كانت عليه، فليس اعتناق العلمانية اليوم من قبل بعض العرب على مستوى الحكام والمسؤولين، إلا رجعية باتجاه الماضي البعيد، والعلمانية حسب- فهمي المتواضع- ما هي إلا إندماج كيميائي تفاعلي بين الجهل والجحود، فكل من بدّل الاعتصام بالله إلى الاعتصام بغير الله، فقد أصبح في عصمة من اعتصم به، وقد وقع في الخسران المبين، فالجهل سجية عربية أبعدهم عنها الإسلام والإيمان، والجحود نكران لهداية الخالق وفضله عليهم.

إنَّ روسيا بقيادة الزعيم فلاديمير بوتين، تقوم بعملية جراحية لانتزاع أنياب الأفاعي على أرض أوكرانيا، وذلك بهدف التعايش معها مُستقبلاً والعيش معًا بسلام، ومن ثم تنطلق إلى العالمية بعدما تؤمن خاصرتها الرخوة، فستكون لها بعد ذلك كلمة مسموعة، وقرار مُهاب بين الأمم. والرئيس فلاديمير بوتين لم يقدم على هذا العمل الكبير، إلّا لأنه قدّر خطورته وحجم الخصوم في الوضع الراهن، وهو يكرر على مسامع الآخرين أبياتاً من شعر الأدب الفلسطيني:

"سَأَحمِلُ روحي عَلى راحَتي // وَأَلقي بِها في مَهاوي الرَّدى

فَإِما حَياةٌ تَسُرُّ الصَديقَ // وَإِمّا مَماتٌ يَغيظُ العِدى

وَنَفسُ الشَريفِ لَها غايَتانِ // وُرودُ المَنايا وَنَيلُ المُنى

وَما العَيشُ لا عِشتَ إِن لَم أَكُن // فَخَوفَ الجِنابِ حَرامَ الحِمى

إِذا قُلتُ أَصغى لي العالَمونَ // وَدَوّى مَقالي بَينَ الوَرى"

لذلك عندما سمع غثاء وزيرة خارجية بريطانيا، وهي تهدد بالتدخل؛ أمر وزير الدفاع الروسي بوضع أسلحة الردع النووي في حالة استعداد خاصة، لذلك ابتلع الأوروبيون ألسنتهم، وغيّر الأمريكان اللهجة الحادة.

لكن ما بال العرب الذين كانوا في صمت رهيب، ثم بدأوا بالميل نحو روسيا، وأخذ بعضهم يُهدد أمريكا بالويل والثبور وعظائم الأمور، إن هي حاولت التدخل في شؤونهم الداخلية، فعادوا بعد سويعات إلى الصمت من جديد، ثم الإيعاز إلى جيوشهم من الذباب الإلكتروني بالانتشار من جديد، ومهاجمة الرئيس فلاديمير بوتين، وكُلِفوا ببث السموم، تحت غطاء ديني بغيض، والترحم على الشعب الأوكراني، ونصفه أو أكثر من النصف يهود مناصرون لإسرائيل، ضد من كانوا إخوانهم من الفلسطينيين العرب، وكنت قد تمنيت لو استحق المظلومون من العرب عُشر الحمية التي توجه بها هؤلاء إلى الأوكرانيين!! ترى هل ورد إليهم الفاكس الشهير، الذي قال عنه ذات مرة رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، إن الأمريكان لا يتصلون في العرب، إذا أرادوهم لاجتماع، وإنما يكتفون بإرسال فاكس من وزارة الخارجية الأمريكية، فنحضر متقاطرين دون تأخير للاجتماع عندهم؟!

لا أستغرب مثل هذا الأمر، ولكن اليوم تغيَّرت الوسيلة، فبدلاً من الفاكس رسالة جماعية بالواتساب تكفي، ترى إلى متى سيظل بعض العرب بلا قرار، ومسلوبي الإرادة من قبل أمريكا والغرب؟! طبعاً سيخشى المسؤولون من شعوبهم، ولكن أمريكا والغرب يطمئنونهم بالسكوت عن قمعهم لهم، لكن أما علموا أن كثرة الضغط ستولد انفجارًا هائلًا هذه المرة.

إنَّ هذا الغرب الذي صدّعنا بديمقراطيته العفنة، كشفته الأزمة الأوكرانية، فأخذ يكيل بستين مكيالًا ومكيال، وصار الدين والإيمان يقرره اليهود.. وليس الغرب، فصارت كل العقائد مرفوضة، إلا من رضي عنهم اليهود وحدهم، وطبعًا الدين الإسلامي مرفوض عبر التاريخ اليهودي، ما عدا الصنف المُروَّض والمنتج والمنقح من قِبلهم، وذلك بخلاف دين الله الحنيف فهو ما زل مرفوضًا، وأن من يُسيِّر العالم الرأسمالي هم اليهود، وليس النصارى كما يبرز حاليًا، والديمقراطية والرأي والرأي الآخر، تم وأدها مباشرة وعلى الملأ، فكم من محلل سياسي، أو متحدث إعلامي، قد طُرد من على شاشات التلفزة، إن لم ينطق بتمجيد أوكرانيا والغرب، ويذم روسيا ويسب الرئيس بوتين علناً ويشهّر به، وقد أُوقِفت وسائل الإعلام الروسية في بلاد الغرب الديموقراطي، ومنع المُغنون عن الغُناء هناك، وحتى السنانير (القطط) قُوطعت لأنَّها روسية!! وكلفت المخابرات الغربية بنقل الإرهابيين وتسليحهم لمُحاربة روسيا في أوكرانيا، وطبعًا تحت مُسمى "المقاومين الأحرار"، وجمعت لهم الأموال علنًا، ونحن في بلاد العرب يحرّم علينا فتح حساب بنكي، ما لم توافق عليه المخابرات الغربية، تحت منطق تجفيف وسائل دعم الإرهاب.

إنَّ مناصرة روسيا اليوم، ليست تحيزًا دون قيمة اعتبارية، لِما هو مرجو من نتائج ستكون في ميزان العدالة الدولية، عندما نجد من وَقَع عليه ظلم المكاييل المزدوجة يُدافع عن نفسه وبلاده، وإنَّ عَشَمنا من وراء ذلك مكاسب العدل والإنصاف، وقوفًا على قول الحكمة التالية: "لا يشعر بالشيء شعورًا قويًا إلا من يُجربه"، فالرئيس الروسي قد جرّب وطأة ظلم الغرب عليه، وعلى بلده، لذلك فوزه في هذه المعركة، سيكون له أثر طيب على ميزان العدالة الدولية، وسيَقف نداً قوياً في وجه الغرب الظالم، وسينعكس ذلك إيجابًا على العالم العربي والإسلامي والأفريقي، وستنطلق خطط التنمية دون عرقلة غربية، أو مشاركة في الثمار والنتائج، وبطبيعة الحال سنظل بلا حول ولا قوة لفعل الشيء الذي فعله الرئيس بوتين، إن لم يكن في مصر زعيم قوي بقوة الزعيم جمال عبدالناصر، لقد مال العرب كل الميل باتجاه عدوّهم، ونسوا الدنيا والآخرة.

الأكثر قراءة