أوكرانيا والوجه الغربي القبيح

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

لم ينكشف وجه الغرب الاستعماري القبيح وتفاصيل رأسماليته المُتوحشة كما انكشف في يوميات الصراع على أوكرانيا، ولم يسقط بالصوت والصورة سياسيًا وعسكريًا وأخلاقيًا كما سقط في هذه الأزمة، وهذا السقوط بطبيعة الحال لم يكن مُفاجئًا للمراقبين والعارفين بالغرب وتاريخه ومؤامراته؛ بل ارتد عليهم في عُقر دارهم، وفي ديار طوابيرهم والمسلوبين بهم في بقاع الأرض أولًا.

العارفون بالغرب يُدركون أنَّ وقوفهم مع أوكرانيا اليوم ضد روسيا التي خلعت عن نفسها رداء الشيوعية والمتسلحة بقيم الغرب الليبرالي منذ 3 عقود وبعد تفكك خصمهم اللدود الاتحاد السوفييتي، يعلمون أن الصراع في حقيقته بين روسيا والغرب صراعًا وجوديًا، وليس عقائديًا، وكما كان ظاهريًا بين حلفاء الأمس وشركاء الخندق الواحد ضد النازية في الحرب الأوروبية (العالمية) الثانية. لهذا لم يدهشهم السُعار الغربي اليوم بالوقوف مع أوكرانيا؛ كونه امتدادًا وحلقة في سلسلة السعي الغربي الحثيث لتفكيك وتقسيم إرث الاتحاد السوفييتي، قبل يقظة الدب الروسي واستعادته لنشاطه وحيويته؛ بل والهيمنة على روسيا وإخضاعها للغرب كذلك.

لكن المُفاجآت الجديدة في هذا الصراع تمثلت في حجم الاصطفاف الغربي ونوعه والذي شمل مُحاربة وتجريم كل ما هو روسي والانتقام منه، وظهور عقوبات نوعية غير مسبوقة تمثلت في تجييش وتوظيف منظمات ومؤسسات ذات طابع دولي كالاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" لتظهر بوجه غربي جلي، وخروج كيانات سياسية غربية عُرف عنها الحيادية والعقائد السياسية الخاصة مثل سويسرا وفنلندا بوجوه غربية استعمارية في وجه روسيا!!

الصراع على أوكرانيا وتداعياته سيجعل دول العالم قاطبة تراجع الكثير من قناعاتها وتحالفاتها مع الغرب وجدوى المنظمات الدولية القائمة، والتي أفرزتها غالبًا حقبة ما بعد الحرب الأوروبية الثانية وتداعياتها، وستبدأ كل دولة تراجع سيادتها ومصيرها الحتمي حين "يُشيْطِنها" الغرب، ويُقرر الحشد والتجييش ضدها، بمجرد أن تُصنف كـ"دولة مارقة" وفق "البورد" السياسي الأمريكي!

الغرب الاستعماري ورأسماليته المتوحشة اليوم وبقيمه وموروثه وعقائده وإدعاءاته التاريخية المزيفة منها والواقعية، باتت على المحك الحقيقي والاختبار التاريخي النهائي أمام الأسرة الدولية، تكون أو لا تكون! فقد سقط قناعه الزائف وتشدقه بالحريات والقانون وقيم العدالة أمام نزواته وشهواته، وكشف عن وجهه الشيطاني القبيح بلا تورية أمام المنبهرين به أولًا، وقبل خصومه، حتى فقد كل خطوط الرجعة ومفردات التبرير.

في حقيقة الأمر أن جميع الخطوات التي اتخذها الغرب اليوم بكياناته السياسية وحلفه "الناتوي" واتحاده الأوروبي ومؤسساته الرسمية والمدنية ضد روسيا ومن خلالها رسائله للعالم أجمع، لا تعبر سوى عن هشاشة واضحة أمام قوة كبيرة صاعدة كقوة "روسيا البوتينية"، والتي سوّقت نفسها في هذه المواجهة وكأنها تنتقم للعالم من شرور أمريكا والغرب الاستعماري، فلقيت سياساتها الكثير من التأييد والتعاطف المُعلن والخفي من رواد الفلك الأمريكي قبل المناوئين له؛ الأمر الذي يشي بأن الحرب ستضع أوزارها النارية وستشتعل على جبهات أخرى ناعمة ستجعل من الغرب بجبروته وسطوته وغطرسته شيئًا من الماضي، كما طوت سُنن التاريخ أقوامًا ودولًا كانت أكثر منهم بطشًا وقوة وأصبحوا أثرًا بعد عين.

كم أعجبُ من الذين يعيبون على الغرب عدم المساواة والعدل والانتصار لقضايا العرب والمسلمين، وكما انتصروا لأوكرانيا اليوم، ولم يدركوا بعد أن صراعنا مع الغرب صراع وجود لا صراع حدود ولا مصالح ولا نفوذ.

قبل اللقاء.. يقول الزعيم الصيني ماو تسي تونج: "هناك حركات صغيرة غير مرئية في التاريخ تكون سببًا في تغيير مجرى التاريخ".

وبالشكر تدوم النعم.