مدرين المكتومية
فكرة ثورية قررتُ أن أُنفذها مع زملاء العمل الأعزاء؛ حيث التقينا لاحتساء القهوة الصباحية في أحد الأماكن المخصصة لذلك، لكن ثمَّة شرط واحد أعلنته للجميع وهو أنَّ هذه الجلسة "بلا هواتف.. بلا إنترنت"!
الحقيقة أنني لم أتوقع المُوافقة السريعة من الجميع، فرغم عملنا الصحفي الذي يفرض علينا أن نظلَّ "أون لاين" حتى ونحن نائمون، لطبيعة الأخبار التي تحدث في كل دقيقة، داخل وخارج عُمان، إلا أنَّ الجميع لم يعترض، بل ابتسموا جميعًا مرحبين بالفكرة "المجنونة"! لقد أذهلني أنني ولأول مرة اقترب (وهم أيضًا) من زملائي وأن أعرفهم كما لم أعرفهم من قبل طيلة سنوات مضت، فعلى الرغم من اللقاء الدائم بيننا في أروقة المكتب والتغطيات الصحفية، لكننا اكتشفنا بعض الصفات غير الظاهرة في شخصية كل فرد، صفات وسمات عكست المنطقة التي ينتمي إليها كل واحدٍ منِّا، وتعكس البيئة المغايرة التي يعيش فيها كل زميل بما فيهم أنا؛ فهناك من أتى من الساحل، وهناك من جاء من المدن وآخر من الجبل. اجتمعنا على قهوة بمذاق واحد، ونمارس نفس المهنة، لكننا لا نحمل نفس الأفكار والتطلعات، ولا التوجهات ذاتها، ولا حتى الظروف نفسها، هناك من سبقنا بالعمر، وهناك من يصغرنا، وهناك من واصل تعليمه، وهناك من توقف عند مرحلة واحدة، لكننا جميعًا نجلس كل يوم على نفس الطاولات وفي صالة تحرير واحدة.
من بين الأسئلة التي طرحناها على بعضنا البعض: ما المواقف التي لعبت في أقدارنا وصنعت منِّا ما نحن عليه الآن؟! كانت الإجابات بالنسبة لي مختلفة ولكنهم جميعًا اجتمعوا على كلمة "الظروف"، وهي مجرد كلمة، لكنها تحمل في ملامح كل منهم قصة وموقفاً.. هناك من قال كبرنا بالأحداث، وهناك من كبر بالابتعاد عن عائلته التي تقطن قرية بسيطة، وهناك من كبر بفعل التحديات، وهناك من كبر بفعل السفر، كل منهم اختصر كل الأحداث التي توالت عليه بكلمات بسيطة، لكن كل شيء كان يقول إن هناك أشياء أكبر بكثير مما تمتم به.
عندما يقول أحدهم "ظروف" فإننا نُفكر فيما تقدمه لنا تلك الكلمة من دروس وعبر، فيما تلعب به في تشكيل حياتنا، فيما مررنا به وما سنمر عليه، هناك لحظات تجد نفسك غير قادر على استيعاب الكثير من الأحداث والحوادث، وتسأل لماذا أنا بالذات؟ لماذا أعيش هذه الحالة؟ أيُعقل أن يحدث هذا معي في هذا التوقيت بالذات وهذه اللحظة؟ كل هذه الأسئلة تفضي إلى إجابة واحدة؛ وهي أن كل الأشخاص الذين يعبرون حياتنا، ويمر بهم قطار العمر على محطاتنا، عاشوا أيضًا لحظات تبادر لأذهانهم نفس الأسئلة.
إننا في الحقيقة نعيش كل هذا وفق اللحظة التي تسكننا، فنجد أنفسنا لا شعوريًا نحزن أكثر من المعتاد، ومن المفروض لأننا وبالتحديد كان لدينا سقف توقعات عالٍ، وعندما نجد ذلك السقف المتوقع غير حقيقي سرعان ما نصاب بالإحباط، وتظل تسكننا الكثير من الأسئلة.
ما أود التأكيد عليه أنَّ الظروف التي أصابت ريم، عكس ما عاشته سارة، والصعوبات التي واجهها فيصل، ليست كالتي واجهتها مريم، والجميع يعيش حياته وفق الكثير من المُعطيات، لكن الشيء الوحيد الذي يجمع هؤلاء الزملاء ويجمعنا نحن كبشر أن هناك لحظة من لحظات العمر نمُر بها تجعلنا نكبر.. نكبر على الكثير من الأشياء، ونجد أنفسنا في لحظة مُعينة مملتئين بالمشاعر والعواطف.. بالمواقف.. وأيضًا بالخوف!! وذلك أمر طبيعي وصحي؛ فالإنسان الحقيقي والشخص الطبيعي هو من يمكنه أن يشعر بكل ذلك، ويمكنه أيضًا في المُقابل الرضا بكل شيء؛ حيث إنَّ المشاكل والتحديات ومجمل كلمة "الظروف" مرَّت على الجميع، ولم تكن فقط مقتصرة على شخص بعينه!