قطع دابر الفساد

 

د. خالد بن حمد الغيلاني

Khalid.algailni@gmail.com

@khaledalgailani

كلنا نعلم قصة السفينة والقوم الذين استَهَمُوا فيها فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، ونعلم رغبة الذين في الأسفل لفتح طريق لهم يقضون به حوائجهم دون مرور لمن في الأعلى بحجة عدم الإيذاء، ولكن حقيقية الأمر أن كل الإيذاء سيكون في السماح لهم بفتح طريق أسفل السفينة لأن هذا هلاك الجميع وزوال الكل.

ولعمري فإنَّ هذه الحادثة متكررة باستمرار، وباقية بقاء الإنسان، فالفساد بكل أنواعه وأشكاله، ومهما صغر حجمه أو كبر؛ هو سبيل نحو هلاك الأمم، سائر بها إلى المجهول، ماضٍ بها صوب التخلف والتراجع. والفساد مفهوم واسع، وله مجالات كثيرة، أشدها وقعا على المجتمع الفساد المالي والإداري، والفساد المجتمعي، وهي مهلكات شديدات خطيرات.

وبطبيعة الحال لا يخلو مجتمع من وجود الفساد فيه، ويصغر ويكبر بناءً على عدد من المُعطيات؛ أولها؛ الخوف من عقاب الله تبارك وتعالى ذلك أن الفساد تضييع للأمانة وخيانة للعهود، ثانيها؛ الحس المجتمعي والانتماء الوطني، فالفاسد متجردٌ من كل إحساس بالمسؤولية، لا مكانة للوطن عنده، ولا مراعاة لحرمته، وثالثها؛ القوانين الرادعة والقواعد النافذة والأنظمة الواضحة التي تضرب على كل فاسد بيد من حديد، هذا الضرب بالقانون يمنع من يروم فسادا من مجرد التفكير في هذا الأمر.

ومما يلفت النظر أن قضايا الفساد المالي ما زالت تؤرق المجتمع، وتثير حفيظة الناس، والسؤال الذي يتبادر للأذهان: أين الخلل في القانون الذي يمكّن أي شخص من اتباع هوى نفسه وأمر شيطانه، ويمضي لا يرعى إلًّا ولا ذمة، فتسوّل له نفسه الأخذ من المال العام مستغلًا بعض الثغرات الموجودة في الأنظمة، مُستعينًا بأمثاله في هذا الأمر، وهذه الثغرات التي لا بُد من حلها وعلاجها، ويجب منع كل وسيلة تعطي هؤلاء منفذًا للولوج من خلاله لضرب الوطن وأبنائه، والحد من مسار تنميته وتقدمه.

إن جهود الجهات المعنية بالرقابة والمتابعة- ولا سيما في الفترة الأخيرة- جهود مقدرة وواضحة، وتسير في مسارها الصحيح، وقد تبدو متواضعة عند البعض، لكنها أفضل من ذي قبل، والشفافية المرغوبة في هذا الشأن أكثر حضورًا مما كان، ولعل التقرير الأخير الذي نشرته الجهات المعنية فيه العديد من المبشرات التي تدعو للتفاؤل، وتبعث في النفس الثقة أننا ماضون بفضل الله تعالى، ثم بحسم مولانا جلالة السُّلطان المفدى وعزمه؛ ماضون نحو قطع دابر الفساد والمفسدين، والضرب عليهم بيد الواثق، وسيف الحق، وعصا القانون.

وحقيقة الأمر أن الفساد وما نهبه الفاسد من خيرات الوطن، وحقوق بنيه لا ينتهي بالتقادم، ولا تمحوه الأيام والسنون، فهو حق ثابت، وأموال مستردة، ولو بعد حين، وعلى ذوي الاختصاص العمل على ذلك، وهم أهل أمانة وثقة، وإخلاص في أداء الواجب.

يا أبناء عُمان الكرام، وطننا بحاجة ماسة إلى كل جهد ممكن يسير به نحو مستقبله، وتحقيق رؤيته، وعلينا واجب ومسؤولية، ومن أوجب الواجب ألا نعين فاسدا، ولا نمكنه من العبث أو المساس، بحجج واهية، وأعذار غير مقبولة، فالله الله في وطننا، فإنما تفنى الأمم بالسكوت على الفساد وإعانة المُفسدين.

حفظ الله تعالى وطننا شامخًا أبيًا عزيزًا، ومولانا السلطان سيف الحق والحسم، وأبناء عُمان مخلصين باذلين لهذا الوطن الغالي.