ارتفاع أسعار النفط والتحفيز الاقتصادي

حاتم الطائي

الأسابيع القليلة الماضية شهدت طفرة في أسعار النَّفط نظرًا لعدة عوامل؛ لعلَّ من أهمها نمو الطلب على الخام مع بدء الاقتصادات الكبرى والنامية السعي نحو التَّعافي من تداعيات جائحة كورونا، وكذلك بسبب التوترات الجيوسياسية في مناطق بعينها من العالم، وخاصة التوتر في شرق أوروبا، ومع هذه التطورات وزيادة أسعار النَّفط، بدأت الأنظار تتوجه صوب الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمُواجهة العجز المالي والدين العام، وهي الإجراءات التي أثرت بدرجة ما على فئات المُجتمع، لكن السؤال المطروح الآن: هل يُمكن استخدام فوائض مبيعات النفط في تخفيف الإجراءات؟!

الإجابة على هذا السؤال تُحيلنا مُباشرة إلى البحث عن دوافع ارتفاع الأسعار، وهل هذه الدوافع مُستدامة، أي أنها ستظل هكذا وأنها باتت من مُحركات السوق بصفة مستمرة؟ أم أنَّ هذه الدوافع ليست سوى انعكاس لتطورات مُعينة قد تختفي في أي لحظة؟!

الواقع يُشير إلى أنَّ الطلب على النفط بالفعل يرتفع، لكن أزمة كورونا ما زالت تُلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي، فضلاً عن المخاوف المتزايدة من "الكساد التضخمي" والتحذيرات من تكرار سيناريو "الكساد العظيم"، وهو الأمر الذي دفع بالحكومات والبنوك المركزية حول العالم لتبني خُطط للتحفيز الاقتصادي، ووقف خطط التيسير النقدي، نظرًا لأنَّ التحفيز الاقتصادي وحده فقط القادر على دفع عجلة الاقتصاد والهروب من دوامة أي كساد يلوح في الأفق.

ومع الزيادة في أسعار النفط، والارتفاع المُرتقب في إيرادات الخام خلال الفترة المُقبلة، دعا البعض إلى تخفيف حدة الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة، وفقًا لخطة "التوازن المالي" التي من المُقرر أن تستمر معنا حتى نهاية عام 2024، كما طالبوا بعودة دعم الطاقة والخدمات وتخفيض الضرائب بل وصل الحد بالبعض إلى المُطالبة بإلغاء ضرائب بعينها، مثل القيمة المُضافة، وهي مطالب لا تستند إلى أي أساس اقتصادي أو تخطيط حقيقي. والخُطط الاقتصادية عادة لا تتعامل مع المستجدات الآنية، ولا ينبغي أن تكون عُرضة لتقلبات الأسواق؛ بل تُنفذ على المدى المتوسط أو الطويل الأمد، وفق رؤية مدروسة بإحكام لتفادي أية ذبذبات اقتصادية أو- لا قدر الله- إخفاقات، وقتئذ لن ينفع الندم، وسيتبرأ أصحاب هذه المطالب من دعواتهم؛ بل ربما يقولون إنَّ الحكومة لم تنجح في الاستفادة المُثلى من العوائد المُرتفعة للنفط!!

ومن هنا تأتي الحاجة الماسة للتفكير العملي في كيفية الاستفادة من ارتفاع أسعار النفط، خاصة ونحن نتحدث عن مستويات تفوق الـ90 دولارًا، سواء لخام عُمان، أو للخامات الأخرى، مثل برنت الذي أغلق عند مستوى 93.54 دولار، والخام الأمريكي الذي وصل إلى 91.07 دولار، ويعني ذلك أنَّه في حالة استمرار زيادة الأسعار حتى نهاية العام الجاري عند مستويات أكثر من 90 دولارًا، فإننا أمام زيادة كبيرة في العائدات النفطية، ومن ثم يمكن توجيهها التوجيه الأفضل لدعم النمو الاقتصادي، وتعزيز برامج الحماية الاجتماعية للفئات المُستحقة فعلًا، وليس للذين يُريدون العودة للماضي ومُقاسمة المُستحقين رغم عدم حاجتهم.

الحقيقة أننا لا ندعو هنا إلى تجاهل المطالب المُنادية بتخفيف حدة الإجراءات التقشفية، ولكن نطرح وبقوة فكرة توجيه أي زيادة في الإيرادات لتحفيز الاقتصاد، من خلال تنفيذ العديد من المشاريع المؤجلة، ودعم الاستثمارات، وتسريع وتيرة العمل في مُختلف القطاعات الاقتصادية، وتعزيز أداء الشركات، عبر طرح تمويلات ميسرة بنسب فائدة منخفضة (لا تزيد عن 3%)، من أجل إتاحة الفرصة أمامها للاقتراض والتوسع في أنشطتها، والذي سيعود بالنفع على الاقتصاد، من خلال توفير المزيد من فرص العمل للشباب، وزيادة عائدات الضرائب التي ستدفعها هذه الشركات، فكلما توسعت الشركات ووظَّفت مواطنين، زادت المبيعات وانتعشت الإيرادات، ومن ثم زادت الحصيلة الضريبية، أما لو ظلَّ الحال دون أي تحفيز ودون أي نمو في الأعمال، فستتراجع الإيرادات الضريبية، ولن نستفيد أبدًا من ارتفاع النفط.

الواقع يُؤكد أنَّه يتعين على الجهات المعنية أن تضع على قائمة أولوياتها تحفيز الاقتصاد وليس سداد الدين أو تقليص عجز الميزانية فحسب، فهذه ولله الحمد وضعنا لها الخطط وبدأنا فيها ونمضي فيها بكل سلاسة، أما أن نُعيد التفكير في العودة لما كُنا عليه في الماضي فهذا لن يُجدي نفعًا؛ بل سيُفاقم الأمر سوءًا إذا ما تراجعت أسعار النفط لأي سبب كان، والتاريخ علمنا الدرس مرات ومرات!

وختامًا.. لا بديل عن التحفيز الاقتصادي، فمهما ارتفعت إيرادات النفط لن تتحقق أي فائدة مرجوة دون نمو الاقتصاد وتوسعته، وأي محاولة لإهدار ما تحقق من مُنجزات بفضل الإصلاح الاقتصادي ستُفضي إلى عواقب سلبية لا نُريدها جميعًا، فلا أحد يريد العودة إلى المربع الأول، بل نأمل التَّقدم ومواصلته، حتى بلوغ الأهداف المرسومة بعناية كبيرة، وعلينا أن نُدرك أنَّ هذا التحفيز سيعود بالنفع على مُختلف شرائح المجتمع، وليس كما يظن البعض عكس ذلك.. فلنعمل جميعًا من أجل تحقيق الغايات الاقتصادية الوطنية، وأن نضع نُصب أعيننا مستهدفات رؤيتنا المستقبلية "عُمان 2040"، والخير سيعُم الجميع بإذن الله تعالى.