متى يكون العقد التجاري بين العماني والأجنبي باطلًا؟!

 

 

ياسر بن عبدالله السناني

محام

 

كثيرٌ ما أثارَ هذا التساؤل حيرةً بين رواد الأعمال من أصحاب المؤسسات الصَغيرة والمُتوسطة، خاصةً من فئة الشباب الذين هُم في بداية المراحل الأولى من مشاريعهم التجارية؛ حيث راح الكثير منهم ضحية هذه الاتفاقيات، فالحاصلُ أنَّ العاملَ الأجنبي يتفقُ مع المُواطن العُماني على أن يُمارس العاملَ الأجنبي الأعمال التجارية والاستثمَارية داخل السلطنة باسم المواطن العُماني نَظيرَ مبلغ شهري أو سنوي يدفعهُ العامل إلى العُماني.

كما يتضَمن الاتفاق أن يتحمل العامل كافةَ الالتزامات والديون المُترتبة على السجل التجاري نيابة عن العُماني، والسؤالُ الجوهري هُنا، هل هذا الاتفاقُ مُلزمٌ للطرفين أم هو باطلٌ بطلانًا مُطلقًا؟ وهل لهذا الاتفاق حُجةٌ على الدائنين أمامَ القَضاء أم يتحمل العماني تبعاته؟ وللإجابة على هذه الأسئلة نصت المادةُ الثالثةُ من قانون استثمار رأس المَال الأجنبي الصادر بالمرسوم السُلطاني رقم(50/2019) على أَن (يُحظَر على الأجنبي، سواءً كان شخصًا طبيعيًا أو اعتباريًا مُزاولةُ أي نشاط استثماري داخلَ السلطنة إلا وفقًا لأحكَام هذا القَانون).

ونصت المادةُ 24 من قانون التجارة العُماني (لا يجوزُ لغير العُمانيين الاشتغال بالتجارة في سَلطنة عُمان إلا إذا أُذنَ له بذلكَ طبقًا لأحكام هذا القَانون)، وَعَليه واستنادًا لنَص المادتين المُشار إليهما، فإن الاتفاقَ المُنعقدَ بينَ العُماني صاحب السجل التجاري والعَامل الأجنبي هو اتفاقٌ باطلٌ بطلانًا مُطلقًا ولا يرتب أثر قانوني في مواجهة الغير وهو غير ملزم للعامل الأجنبي، ويَتحملُ العماني صاحبَ السجل التجاري كافةَ الالتزامات المالية والديون التي خَلفها العامل الأجنبي نَتيجةَ ذلكَ الاتفاق، ويكونُ هو وحدهُ مسؤولًا أمامَ القضاء عن هذه الديون والتَبعات القانونية. كما أننا نعتقد أنه لا تَثريبَ على قاضي الموضوع إن قَضى حُكمُه ببُطلان هذا الاتفاق، على اعتبار أنَّ الاتفاقَ خالفَ قاعدةً آمره لا يَجوزُ الاتفاق على مُخالفتها، وهذا ما جَرت عليه المحكمةُ العُليا عندما أَرست المبدأ رقم (149) في الطَعن رقم (485/ 2015) في الصفحة 503: (يُحظَر على غير العمانيينَ مُمارسةُ أية أعمال تجارية أو المشاركة في شركة عُمانية داخلَ السلطنة إلا بتَرخيص من وزارة التجارة والصناعة، مُخالفة ذلكَ أثره البُطلانُ المُطلَق). كما ذهبت هذه المحكمةُ في حيثيات قضائها إلى القول "فإذا اتَفقَ الأجنبي مع مواطن عماني على مُزاولة التجارة خَارج الإطار الذي حددهُ القانون، فإن الاتفاق مَكتوبًا أو غيرَ مكتوب يُعتبر باطلًا بُطلانًا مطلقًا متعلقًا بالنظام العام... ويجوز لكل ذي مصلحة سواء كان أحدُ المتعاقدينَ أو من الغير أن يَتمسكَ ببُطلانه، بَل ويَجبُ على المَحكمة أن تَقضي به من تلقاء نفسها"، ولذلك من الواجب بمكان تبصير الشباب بشكل خاص والمجتمع بشكل عام عن طبيعة هذه العقود والآثار المترتبة عليها.

ونشير هنا إلى أن المشرع العماني رتب على مخالفة قانون استثمار رأس المال الأجنبي عقوبات مالية على الأجنبي أو الشريك العماني في حال مَارَسا الأعمالَ الاستثماريةَ بالمخالفة لأحكام هذه القانون، حيث نصت المادة 33 من قانون استثمار رأس المال الأجنبي على أنه "يُعاقبُ كل أجنبي يُزاول أي نشاط استثماري بالمُخالفة لأحكام هذا القانون بغرامة لا تَقل عن (20000) عشرينَ ألفَ ريال عماني، ولا تَزيدُ على (150000) مائة وخمسين ألفَ ريال عماني، كما يُعاقبُ كل عماني يشترك مع أجنبي في مَشروع استثماري بالمخالفة لأحكام هذا القانون بالعقوبة ذاتها".

وفي المقابل الآخر يُهمنا في هذا الموضوع  أن نَعرضَ الرأيَ المُخالف للرأي القانوني أعلاهُ، حيث اعتَرضَ على هذا الرأي فريقٌ من أهل الاختصاص، ويقول رأيهم: إن الاتفاق الحاصلَ حول تمَكينَ العامل الأجنبي من ممارسة الأعمال التجارية والاستثمارية باسم العماني لا يترتبُ عليه البُطلان، ويَستندُ أهلُ هذا الرأي إلى المادة 28 من قانون استثمار رأس المال الأجنبي والتي تنص على الآتي "تقوم الوزارة بإخطار المستثمر الأجنبي كتابة عند مخالفته لأي حكم من أحكام هذا القانون أو اللائحة والقرارات الصادرة تنفيذًا له لتصحيح المخالفة خلال مدة لا تتجاوز (30) ثلاثين يوماً من تاريخ تسلم الإخطار، ويجوز تمديد المدة المشار إليها لمدة مماثلة إذا وجدت أسباب لذلك) والمادة 29 من ذات القانون والتي تنص (في حالة عدم التزام المستثمر الأجنبي بتصحيح المخالفة في المدة المشار إليها في المادة (٢٨) من هذا القانون، توقع عليه أحد الجزاءات الآتية بحسب جسامة المخالفة:ـ أـ الحرمان من كل الحوافز والمزايا أو بعضها المقررة في هذا القانون ب – وقف النشاط لمدة لا تزيد على (٦) ستة أشهر ج – إلغاء الترخيص نهائيا في حالة تكرار المخالفة، مع مراعاة أحكام المادة (٢٥) من هذا القانون وتحدد اللائحة شروط وإجراءات توقيع أي من تلك الجزاءات".

وحيث يَقع تَفسيرهم لهاتين المادتين على ان المادة 28 من ذات القانون المُشار إليه خَولت للأجنبي الذي مَارس الأعمالَ الاستثماريةَ أو التجاريةَ تصحيحَ المُخالفة خلال 30 يومًا قَابلةً للتمديد، وبالتالي لا يترتبُ على هذا الاتفاق البُطلان، وإنما يترتبُ عليه جَزاءات إدارية مَنصُوصٌ عليها في المادة 29من ذات القانون ـ سالفة الذكر.

ونعتقدُ أن الفريقَ المُعارضَ -مع احترامنا الشديد لرأيه- إلا أنه لم يُوَفق في تفسير هَذه النُصوص وفقَ صحيح القانون، ونَرى أن صحيحَ تفسير المَادتين 28و29 من قانون الاستثمار إنما يكونُ واجبَ التطبيق بعد أن يكتسبَ الأجنبي صفةَ المُستثمر وفقًا لأحكام هذا القانون، أما قبلَ ذلك فَللأجنبي صفةُ العامل، وقد حضرَ إلى السلطنة بتأشيرة عمل، وبالتالي يُحظَرُ عليه ممارسةُ أي عمل تجاري أو استثماري داخلَ السلطنة بالاتفاق مع المُواطن العماني، وإلا كانَ ذلك الاتفاقُ باطلًا بطلانًا مُطلقًا.

وختامًا. إنَّ السلطنةَ ومن خلال قَوانينها وقَضائها الشامخ، تَمنَعُ مُمارسةَ أي شكل من أشكال التجارة المُستترة بما يترتب عليه من أضرار وخسائرَ جَسيمة على المصلحة الاقتصادية للدَولة وترتيب البطلان على مثل هذه الاتفاقيات غير المشروعة ومحاربتها، ويجب أن تتَضافَرَ الجهود لأجل الحَد من هذا الشَر المُستطير من خلال القَوانين الواجبة واستيفاء اشتراطات تَطبيقها.

تعليق عبر الفيس بوك