هل نوقد شمعة أم نلعن الظلام؟!

 

د. يوسف بن حمد البلوشي

yousufh@omaninvestgateway.com

تزهو عُماننا بافتتاح العديد من المشاريع الاستراتيجية في مُختلف القطاعات، منها: ميناء الدقم، ومُجمع لوى للصناعات البلاستيكية، وشركة أحجار للتعدين، وشركة فحم الكوك البترولي، ومحطة عبري للطاقة الشمسية، ومُنتجع نسيم دوسيت، ومصنع كروة للحافلات، والبشائر للحوم، والغاز البترولي المُسال، فضلًا عمَّا تمتاز به البلاد من بُنى تحتية أساسية كالمطارات وشبكة الطرق والموانئ المُختلفة، ناهيك عن الاستثمارات في رفع قدرات عُمان على زيادة إنتاج النفط، ليتعدى مليون برميل يوميًا، وغير ذلك من استثمارات تُعزز من جاهزية البلاد لولوج التحولات المنشودة في المرحلة المُقبلة.

ولا يخفى على أحد أنَّ تلك الجاهزية والمشاريع الاستراتيجية، هي ثمرة جهود رجال مُخلصين، بُذلت في المرحلة السابقة، كما لا يُمكن فصل تأثيراتها الكبيرة على المالية العامة، والارتفاع المضطرد في الدين العام، الذي وصلت تأثيراته إلى ضعف دخل الحكومة نتيجة لتعاظم خدمة الدين، وضعف دخول الأفراد والأسر والشركات نتيجة لتدابير الاستقرار المالي. في حين يبقى عزاؤنا أننا نجحنا في بناء قاطرات نمو، ستخفف من وطأة التأثيرات السلبية، سالفة الذكر، تعد بمستقبل أفضل، وترفد الميزانية العامة بإيرادات، وتولد فُرص عمل مجزية، وتعمل على تنويع الاقتصاد، وتعضد من تشابكية سلاسل الإنتاج والتوريد، ما بين بلدنا العزيز ودول العالم الأخرى، وبالتالي الانطلاق إلى مصاف الدول المُتقدمة.

تساؤلات مُهمة حول مآلات الوضع الراهن، وانحسار الدخل المُتاح، وانخفاض القوة الشرائية، وندرة وتواضع الوظائف، وضعف وعدم انسجام حركة تروس الاقتصاد المحلي أهمها: هل المُشكلة في وجود الدين العام أم في إدارة قاطرات التنمية، والتي ساهم في بنائها الدين العام نفسه، أم أن المُشكلة تتمثل بغير ذلك؟ وكيف يمكن العمل لتحسين إدارة ما تم بناؤه بعيدًا عن المُمارسات التقليدية والمُسايسة والمُجاملة والتبرير وتقاذف المسؤوليات؟ وكيف يمكننا النجاح في تعظيم الاستفادة مما تم إنجازه؟ وهل عوائد المشاريع، التي كلفت البلاد مليارات الريالات، خصوصًا في قطاعات البتروكيماويات والإنتاجية والخدمية المُختلفة، تُدر عوائد تتماشى مع عوائد مثيلاتها من المشاريع على مُستوى العالم؟ وهل لا زلنا نخلط في تطبيق الحوكمة ونعاني من ازدواجية الأدوار بين من يشرع ومن ينفذ ومن يملك ومن يدير؟

نستشهد هنا بالمثل الصيني القائل "أن تُشْعل شمعة خير منْ أن تلعن الظلام"، وبمعنى آخر بدلًا من أن نلعن الظلام "الدين العام"، علينا أن نوقد شمعة ونأخذ بالأسباب ونحسن إدارة قاطرات النمو والموارد والشركات الحكومية وفق أفضل المُمارسات، وبالتالي نستطيع تحقيق التحولات المرجوة.

الجميع، سواء حُكومة أم مواطنين أم شركات عامة أو خاصة، مُطالبون بأداء أدوار جديدة، تختلف عن سابقاتها، حتى نستطيع الوصول إلى نتائج تختلف عن تلك المُرتبطة بالنتائج السابقة، والتي تُكرس الهيمنة النفطية، وتُعمق من دور الحُكومة في إدارة الاقتصاد والاستثمار والتشغيل، ثم البدء بتحول نوعي نحو الشراكة بين الجميع، قوامها البيئة الاستثمارية المؤاتية لإطلاق قاطرات التنمية، وريادة الأعمال والإنتاج والتصنيع المحلي الموجه للتصدير. هنا وجب التنويه إلى ضرورة قراءة المشهد المحلى بتفاصيله الحقيقية بعيدًا عن الارتهان إلى أثر قفزات أسعار النفط الذي لا نتحكم به وما أنتجته من قفزات في أداء مؤشرات الاقتصاد الكلي، دون أن يصحب ذلك تحولات نوعية في تركيبة الاقتصاد ونوعية الوظائف. فما نحتاجه هو المزيد من السياسات الفاعلة لتحفيز الطلب المحلي الكلي، بشقيه الاستهلاكي والاستثماري، وكذلك سياسات لتحفيز العرض الكلي بمزيد من الإنتاج المحلي للسلع والخدمات وتفعيل برامج تحفيز الصادرات، وفوق هذا كله، التأهيل والتدريب للكوادر البشرية الماهرة.

ثمَّة جُهود كبيرة تُبذل على كل المُستويات، مُرتبطة وبشكل وثيق مع نوايا حسنة.. لكن يبقى تواضع التنفيذ، وضعف استغلال القدرات الكامنة لقاطراتنا، وبطء اتخاذ القرار، وبيروقراطية الإجراءات بما لا يتماشى مع ضغوط الوظائف الواجب توليدها في الاقتصاد ونوعيتها، والجاهزية التي تنعم بها عُمان، والإرادة السياسية التي تُنادي بتحقيق مُعدلات نمو تتناسب مع طموحات المُجتمع العُماني. وهُنا تتجلى الحاجة إلى قيادات قوية، غير نمطية، تكون قادرة على إنارة شموع العمل، وحشد الهمم، وإدارة قاطرات التنمية في مُختلف القطاعات.

هناك ضرورة قُصوى، تستوجب تقييم أداء قاطرات النمو المشاريع الاستراتيجية والشركات الحُكومية، إضافة إلى أن هُناك حاجة ماسة لتعديل مسار العديد منها، وإزالة الحواجز التي تواجه نموها، وتُجنب مُنافستها غير العادلة لشركات القطاع الخاص، وتحديدًا في القطاعات الإنتاجية، ناهيك عن ضرورة البدء بشراكات استراتيجية مع شركات القطاع الخاص المحلية والأجنبية، بما يحقق التنمية المنشودة، كما يجب عدم التلكؤ في الإشراك الحقيقي للقطاع الخاص، وتمكينه في رسم السياسات وتحديد الأولويات الوطنية.

ختامًا.. يُدرك المعنيون بإدارة قاطرات التنمية ومجالس إداراتها، المسؤولية الكبرى بضرورة الدفع بقوة لتحقيق طموحات المُجتمع، ورفع مُستوى دخله، وتحسين معيشته التي بدأت تتأثر سلبًا؛ فالمُطلع على مكامن قوة وموارد الوطن، والفُرص المُتاحة، يتكون لديه يقين بأننا في مدرج الانطلاق بالطائرة العُمانية نحو آفاق أرحب من التنمية، في ظل وجود قاطرات تنموية في مُختلف القطاعات، وبُنية حديثة، قبل أن تصدأ وتتقادم وتتحول إلى مركز تكلفة، بدلًا من أن تكون مركز ربح.. الكثير يتفق على أنَّ هُناك مساحات واسعة لتطوير الأداء، وأن مُراجعة أداء مُختلف القاطرات أمر صحي ومطلب، لمن أراد التغذية الراجعة الضامنة لتحسين الأداء وتحقيق المنشود.