المعتصم البوسعيدي
في ظل الحديث المتواصل عن الرياضة العُمانية، والبحث المستمر عن سُبلِ تطويرها، كان الدعم الحكومي النقطة الجوهرية فيما نعايشه من واقع رياضي، خاصة مع مُقارنته بدول الجوار الخليجي في المملكة العربية السعودية، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، ولعلَّ تولي صاحب السُّمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد دفة الأمور بوزارة الثقافة والرياضة والشباب جدد الآمال وأوقد الأحلام، لكن الأمر أصعب من التغيير السريع والفوري، وقد يحتاج لوقتٍ ليس بالقصير لإحداث نقلة نوعية ينتظرها الجميع.
وشخصيًا أجزم- وقد قلت ذلك مرارًا وتكرارًا- أن واقعنا الرياضي لن يتحرك قيد أنملة دون قرار حكومي يُعطي الرياضة أولوية إستراتيجية واضحة المعالم بضخ مالي كبير؛ لصناعة رياضة ذات استثمار ناجح يصل إلى تحقيق البطولات والذهب الخالص (بو 24 قيراط)، لكن ذلك يبدو حلمًا ورديًا أكل الدهر عليه وشرب.
لقد عشتُ خلال الأيام الماضية تجربة مثيرة في ربوع محافظة الداخلية بالتحديد في حاضرة المحافظة وعاصمة الثقافة والحضارة نزوى الشامخة، والحمراء المخضرة بقلوبِ ناسها وأرضها المبهجة، وبالرغم من أنها ليست الزيارة الأولى، إلا أن ما أحدثه الأهالي في كليهما حول الطين إلى حنينٍ ينطق، وحكاياتٍ تروى، وزمنٍ يسكنه الزائر ويتمسك به؛ طلبًا للخروج من ضوضاء الحياة اليومية لفسحة الاسترخاء والسلام المنبعث من تلكم الحقب الهادئة.
لقد جفَّت محابر انتظار التغيير الحكومي، وانتفض الشباب بفكرٍ متوقد، والتف المجتمع بجميع أطيافه للانطلاق بالسياحة التراثية المبتكرة الجاذبة، فكانت حارة العقر تضيء مساحات العشاق، والحارة القديمة بالحمراء ومسفاة العبريين تسامران قمر المحبين، وما جولة العربات الصغيرة المكشوفة إلا وسيلة كافية لاكتشاف هالة الجمال التي لم تبصرها العين قبل ذلك، جمال حرك الأشياء لمكانها الحقيقي، وكشف- للأسف- حقيقة صعبة اجتمع العديد ممن حادثتهم عليها؛ إلا وهي عدم أو قلة الدعم الحكومي قبل وأثناء وبعد هذا الحراك الجميل؛ بل علَّق أحدهم وابتسامة السخرية واضحة على محياه "لو حارصين الحكومة كان طاح الطين وتهدمت "صباحات"- أي البوابات الموجودة في الحارات القديمة- كما طاح وتهدم الكثير منهن".
إن تجربة كهذهِ فتحت بدواخلي تساؤلات شتى، وإجابات عديدة في إمكانية تغيير وجه رياضتنا دون انتظار تغيير ودعم حكومي وهل (يصير ولا ما يصير) وفوارق المجالين كثيرة، لكن ماذا لو اشتغلت الأندية على مُقاربة الأمر؟ بجعل كياناتها شركات أهلية استثمارية، وفتح المجال للشباب لقيادة التغيير، وصناعة رياضة جاذبة ذات مردود اقتصادي، كما ووضعت الاتحادات جل اهتمامها على بناء مراكز صناعة النجوم، وأقيمت جمعية الرياضيين العمانيين لدفع عملية التغيير من منبع الرياضة لا من تسرب دخلائها الوهميين، ولا يأتينا فيلسوف زمانه ليصنع جدرانه القانونية وسدوده التنظيمية وأمثلته البالية؛ فتلك خلقة بشرية قاصرة يمكن تعديلها وحتى قتلها دون رحمة، وليكن الدعم الحكومي بعد ذلك مجرد سكر يمكن الاستغناء عنه بكل سهولة، أو نكهة طعام اختياري "لا تسمن ولا تغني من جوع".
مخرج: كُتبَ مع الاستقبال لمشروع سياحي فريد بالفعل ولا مثيل له، تنويهًا للزوار يعتذر عن تعطل القطار (مُؤقتًا) وأن عليهم قطع المسافة التي كان يقطعها القطار بالأقدام (ما هذا الرقي الجميل) وأتضح بعد ذلك أنَّ (مؤقتًا) صارَ لها سنتين دون حل!!