مرحلة ما بعد "كورونا"

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

(1)

تكاد الحياة تعود لطبيعتها بعد "الغزو الكوروني" للأرض، ذلك الغزو الذي قلب الطاولة على العالم، وشغل الناس، وأشعل هلعهم، وخوفهم، وقلقهم على حياتهم، وحياة أحبائهم، ولم يسلم منه غير القليل من المحظوظين، الذين خرجوا من نفقٍ مظلم إلى شمس الحياة من جديد.

سنتان أو تزيد كانتا أصعب السنوات التي مرت على البشرية ـ حتى الآن ـ في قرنها الحادي والعشرين، ولعل في الجعبة الكثير الذي لا يعلمه إلا الله، وأعتقد أنَّ العالم استطاع أن يستوعب الدرس، ويتعلم الحصص الصعبة التي مرت عليه، فهم العالم أنه لا يمكن أن ينجو أحد دون مساعدة الآخرين، وأن الأنانية العالمية قد تكلفه الكثير، وأن الحياة أقل ثمناً من الموت، فالإنفاق على الدواء الذي تمَّ تصنيعه لصد هجوم كورونا، أقل بكثير من الإنفاق العسكري الذي يفوق الخيال والذي يحصد أرواح ملايين البشر سنويا.

(2)

ولم يمر الأمر بسلام على هذا الوطن الغالي، كان الثمن الذي دفعه عاليا وغاليا، دفعه المواطن والدولة معًا، ولم يسلم من شر الوباء أحد، فبين مصاب، ومتوفى، وتحصين، وحبس ذاتي، واشتراطات، والتزامات، وإغلاقات، وكساد، وتسريحات، وانهيار شركات، وفساد أشخاص، وكل ما نتصوره أو لا نتخيله، مرَّ على هذه الأرض، وترك بصمته، وأثره عليها، وسيرحل هذا الوباء ـ بإذن الله ـ  عنّا، وقد يصبح مرضا موسميا يمكن التعايش معه، إلى أن يبتكر العلماء والأطباء لقاحا ناجعا لاستئصاله، وإلى ذلك الحين علينا أن نسلم أمرنا إلى الله، وننتظر إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

(3)

نحترم كل تلك الجهود التي بذلتها اللجنة العليا المكلفة بمتابعة التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19)، التي بذلت- وما زالت- وقتها وجهدها، وتابعت، وتحمّلت تبعات قراراتها، وعالجت الأمر- إداريا وصحيا- بهدوء، ولعل تعاون المواطنين كان عاملا مساعدا للتغلب على هذه الأزمة التي عصفت بالمجتمع، وخلخلته، وفرضت شروطها طويلة المدى، وقواعدها الأساسية التي ستلازمنا لفترة طويلة.

(4)

لا تعني عودة الحياة تدريجيًا إلى طبيعتها أن نتخلى عن حذرنا، ولا يعني ذلك أن نستهتر بالاشتراطات والإجراءات الاحترازية؛ بل علينا أن نبقى حذرين في كل جوانب الحياة، في المنازل، والمساجد، والمحلات، والمناسبات، والأنشطة، وكل ما يتعلق بالتجمعات، كي نخرج من هذا النفق المظلم الذي أدخلنا فيه كوفيد-19 وأخواته، وتحوراته، وأن نتعلم الدروس الاجتماعية التي فرضها علينا، حتى نتمكن من الخروج من عنق الزجاجة الضيّق، إلى رحاب الحياة وصخبها..علينا "الالتزام ثم الالتزام ثم الالتزام بالاحترازات"، وأن لا ننصّب أنفسنا أطباء وفلاسفة ورسلا- كبعض أئمة المساجد- كي نقنع الناس أنَّ الوباء ولّى إلى غير رجعة، ونقنعهم بنزع الأقنعة، والتراص في صفوف الصلاة، وننسى أنَّ من أهم شروط الإيمان بالقضاء والقدر هو "الأخذ بالأسباب"، وتتذكر قوله تعالى "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة".. وكفى بذلك شاهدًا.