الخطوة المفقودة للقضاء على "داعش"

 

صالح البلوشي

يوم الأربعاء الماضي أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن مقتل زعيم تنظيم "داعش" عبد الله قرداش، المُلقب بـ"أبو إبراهيم الهاشمي القرشي"، في عملية نفذها الجيش الأمريكي في سوريا، وقد أوضح مسؤول أمريكي أنَّ زعيم تنظيم "داعش" فجّر نفسه أثناء الهجوم وقتل معه أفراد أسرته في العملية.

هذا الخبر يؤكد المعلومات التي نشرت سابقًا عن عودة التنظيم إلى النشاط في بعض المناطق بالعراق وسوريا؛ حيث نفذ التنظيم بعض العمليات المسلحة في هذين البلدين، كان أبرزها فى سجن غويران بـ"الحسكة"، شمال شرقي سوريا وفرار المئات من سجناء التنظيم من السجن المذكور. عودة نشاط التنظيم كان متوقعا لأسباب متعددة، منها: أن الحملة على التنظيم في السنوات السابقة التي شاركت فيها دول متعددة على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى المعارك البطولية التي خاضها الجيشان السوري والعراقي وقوات الحشد الشعبي، كانت تهدف إلى القضاء على الجانب العسكري في التنظيم، وطرده من المحافظات والمدن التي كانت تحت سيطرته. وبالفعل تم القضاء على القدرات العسكرية للتنظيم وطرده من جميع المناطق التي كان يحتلها في سوريا والعراق وخاصة محافظة الرقة في سوريا والموصل في العراق، والتي كان كثير من المراقبين السياسيين والخبراء العسكريين يشككون في قدرة القوات المناوئة لـ"داعش" على تحريرها وأن ذلك يتطلب عدة سنوات.

لكن نجاح الحملة العسكرية على التنظيم لم ترافقه للأسف حملة فكرية للقضاء على جذور التنظيم وأسباب ظهوره وبقائه حتى الآن، وأسباب ذلك مختلفة يرجعها بعض الباحثين إلى أن التنظيم يستند إلى مرجعية إسلامية تراثية كبيرة، وهناك من يخشى من نقد هذه المرجعية لأسباب مختلفة، ومنها أيضًا أن هناك من يعتقد أن نقد خطاب التكفير في التراث الإسلامي الذي يستند إليه "داعش" والتنظيمات المتطرفة الأخرى، من الممكن أن يواجه باعتراض من علماء الدين التقليديين وبعض المرجعيات الإسلامية الكبيرة في العالم العربي؛ لأن النقد قد يطال مرجعيات تراثية من الوزن الثقيل، ولذلك رفض الأزهر الشريف تكفير "داعش" بحجة أنهم مسلمون وأنه "لكي تكفر شخصاً يجب أن يخرج من الإيمان وينكر الإيمان بالملائكة وكتب الله من التوراة والإنجيل والقرآن، ويقولون: لا يخرجكم من الإيمان إلا إنكار ما أدخلتم به". (تصريح شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب).

وقطعًا لسنا مع تكفير أي شخص ولا ندعو إلى ذلك، ولكن قضية "داعش" وأخواتها ليست مرتبطة بالإيمان ولكنها مرتبطة بالإرهاب، فهناك جماعة تنتسب إلى الإسلام وتدعي أنها على مذهب "السلف الصالح" وتنشر الذعر والخوف والإرهاب في كل مكان، وتقيم الحدود على الشبهات وتفجِّر المساجد التي يذكر فيها اسم الله بمن فيها من المصلين لأنهم مخالفون لها في المذهب.

ولذلك لم يكن عجبًا أن يغرد نائب رئيس هيئة علماء المسلمين الدكتور علي القرة داغي ترحمًا على إعلامي كرَّس حياته الإعلامية لترويج خطاب الفتنة الطائفية بين المذاهب الإسلامية وسأل الله "أن يرفع مقامه بين الصديقين والشهداء والصالحين"، وليت "القرة داغي" ترحم أيضا على شهداء التعصب الطائفي والإرهاب الداعشي الذي طال الجميع.

وكذلك من أسباب عدم إدانة "داعش" فكرياً وجود من يعتقد جازمًا أن "داعش" هي صنيعة أجهزة مخابرات دولية؛ بل ادعى بعضهم أنَّ قادة داعش ليسوا مسلمين وإنما يهود؛ لأن المسلم شخص طيب ولا يقتل أحدًا، وكأن هؤلاء نسوا أن التاريخ مليء بالنزاعات المسلحة بين المسلمين أنفسهم ابتداءً من حرب صفين وحتى أحداث سوريا المأساوية.

لقد عاش العالم سنوات عصيبة من الإرهاب الداعشي سواء في المشرق العربي أو شمال أفريقيا وحتى أوروبا، وقد آن الأوان لمواجهة خطاب التكفير فكريًا وتفنيد أفكار التنظيمات المتطرفة والأيديولوجية التي تقوم عليها، وطرح الفكر الإسلامي المعتدل القائم على التسامح ونبذ الغلو والتطرف ومعالجة خطاب تكفير الآخر الموجود في التراث الإسلامي بمذاهبه المختلفة وتقديم الخطاب الإسلامي المنفتح والمستنير.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا"؛ (متفق عليه).