قصة الكهرباء

 

خالد بن سعد الشنفري

اكتشف الإنسان وجود الكهرباء كشكل من أشكال الطاقة في فترة مُتقدمة قبل 600 عام قبل الميلاد، إبان عصر الحضارة الإغريقية، ولم يكن هذا الاكتشاف من قبل شخص بعينه؛ بل مُجرد ملاحظات بأن مادة الكهرمان تولد قوة جذب للأجسام الدقيقة عند احتكاكها بالصوف أو ما يعرف بالكهرباء الساكنة.

وظلت هذه الظاهرة موضع اهتمام من قبل الباحثين والعلماء الذين تحقق على أيديهم الاختراعات العظيمة، حتى جاء الفيلسوف اليوناني طاليس الملطي والمعروف كأحد الحكماء السبعة وأول من قدَّم تفسيرات واضحة لهذه العملية فأطلق على مادة الكهرمان اسم "الراتنيجي" التي تعني باللغة الإغريقية (Electricity)؛ أي الكهرباء، وتوالت بعدهُ عقول عظيمة ساهمت بالتتابع في أن تستمتع البشرية اليوم بكل ما توفره الكهرباء من رفاهية في الحياة.

إلا أنَّ الاستفادة الفعلية للناس من الكهرباء بالصورة التي نعرفها اليوم لم تحصل إلا قبل 250 عامًا من الآن، وإلى بداية الثورة الصناعية الأولى كانت معرفة الإنسان لكُنْهِ هذه الكهرباء وسبر أغوارها ما زالت بسيطة جدًا وفي بداياتها وانتشرت حينها مقولة "اخترع الإنسان الكهرباء دون أن يعرف ما الكهرباء" وتطورت استخداماتها بعد ذلك بشكل مُستمر لتلبي متطلبات كافة مناحي الحياة.

رغم أنني من مواليد 1960، إلا أني لم أرَ المصباح الكهربائي المضيء في حياتي إلا في العام 1971؛ أي بعد أكثر من 90 عامًا من اكتشاف توماس أديسون له، وانتشاره السريع بعد ذلك في كل أرجاء المعمورة، وكما احتشد المئات في شارع بيرل في مدينة نيويورك الأمريكية في سبتمبر من عام 1882 ليشاهدوا لأول مرة انبعاث الضوء من مصباح أديسون الشهير بلقب "ساحر مينلو بارك" لوجود مختبره الشهير في هذه المنطقة؛ ليضيء الشارع المُحيط؛ حيث قام بتوصيل مفتاح الكهرباء ليتدفق التيار الكهربائي لإضاءة المصابيح أمام انبهار الجميع والذي حل بدوره منذ ذلك اليوم محل الشموع وفوانيس الغاز في إضاءة المنازل والشوارع.

شبيه مع ما حصل في ذلك اليوم من عام 1882 مع أديسون في شارع بيرل في مدينة نيويورك، حصل معي تقريبًا مع الفارق في أواخر عام 1971؛ حيث تجمّع في دكاني الصغير بالحافة عشرات من الصغار والشباب ليشاهدوا انبلاح الإنارة من مصباح الدكان الذي عُلق في منتصف سقف الدكان الذي كانت كل مقتنياته حينها علب الصلصة وعلب حليب الشاي والسكر والسيويه (بلاليط) وبعض العصائر المُعلبة وحلويات وسكاكر تلك الحقبة. في مساء ذلك اليوم المُميز في الحافة في دكاني الصغير الذي يعد بدوره أول دكان في الحافة خارج سوق الحصن القديم شاهدنا وانبهرنا بالنور قبل صلاة المغرب بقليل الذي أدخل للدكان مع مصابيح مسجد "باحيوة" القريب منه، وسكت وخرج مشكورًا فانوس الدكان من الخدمة إلى غير رجعة.

أما قبل هذا التاريخ فلم تكن هناك أي إنارة كهربائية في صلالة وظفار وعُمان كلها؛ سوى في قصر الحصن ومحطة القاعدة البريطانية بصلالة (RF)؛ حيث نشاهدها من بعيد، وكل ذكرياتي مع الإنارة قبل هذا التاريخ كانت مع ضوء المسرجة الخافت والفانوس الذي أُدخل لدينا بعدها، وإن كان لا يزيد عنها كثيرًا في الإضاءة، وكلاهما- الفانوس وشولة الطبخ- كانا يعملان بالكيروسين (القاز)، والحمد لله على كل حال فقد كانا صناعة "جرمني" أي ألمانية، كما كان يُطلق عليها آنذاك، والشهيرة حينها بأنها صناعة "وليتي وليست قامتي" ومعمرة، أما تكلفة "القاز" من محطة البانيان اليدوية الوحيدة في صلالة قرب سوق الحصن فتعد أقل من نسبة 1% من قيمة استهلاك المصباح والموقد الكهربائي اليوم!