محفزات الاستثمار الأجنبي

حاتم الطائي

◄ منجزات النهضة المتجددة تبعث على الفخر والاعتزاز

◄ ميناء الدقم ترجمة للشراكة الاستثمارية الناجحة ونموذج في التعاون الدولي

◄ "الدقم" تتحول إلى نقطة جذب كبرى لاستثمارات الطاقة النظيفة

قطعت عُمان شوطًا مُهمًا وكبيرًا في مسيرتها لجذب الاستثمارات الأجنبية بفضل العديد من العوامل والمرتكزات التي أسهمت في ترجمة الخُطط والأهداف إلى حلول عملية ومشروعات واعدة، لكن في الوقت نفسه ما زال الطريق إلى تحقيق كامل الغايات يُواجه تحديات يُمكن تجاوزها بإرادة قوية وإجراءات ملموسة.

والحقيقة أنَّ ما شهدته السلطنة خلال الفترة الماضية يبعث على الفخر والاعتزاز بما يشهده الوطن الحبيب من مُنجزات في العهد الزاهر لنهضتنا المتجددة التي يقودها بحكمة واقتدار حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم- حفظه الله ورعاه- فخلال أيام معدودات افتتحنا اثنين من كبرى المشروعات ذات الاستثمارات النوعية، أولهما محطة عبري للطاقة الشمسية المتخصصة في إنتاج الكهرباء من الطاقة المُتجددة، باستثمارات عُمانية سعودية، وبطاقة إنتاجية تصل إلى 500 ميجاواط. وثاني هذه المشروعات الواعدة ميناء الدقم، الذي افتتح رسميًا يوم الجمعة الماضية برعاية كريمة من صاحب السُّمو السيد أسعد بن طارق آل سعيد نائبُ رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي والمُمثّلُ الخاص لجلالةِ السُّلطان، وبحضور جلالة الملك فيليب ليوبولد لويس ماري ملك البلجيكيين وقرينته جلالة الملكة ماتيلد ماري كريستين غيسلاين ملكة البلجيكيين.

ومشروع الدقم يمثل كذلك شراكة استراتيجية دولية، بفضل ما تتميز به سلطنة عُمان ومملكة بلجيكا من علاقات متميزة أثمرت هذا التعاون البنّاء في واحد من أهم المرافق اللوجستية في المنطقة والعالم؛ حيث تتجلى أهمية هذا الميناء في كونه حلقة وصل مركزية بين عُمان ومختلف الأسواق؛ شرقًا وغربًا، علاوة على أنه تطور غير مسبوق في مستوى الشراكات الاستثمارية، فرؤوس الأموال الأوروبية عادة تتجه نحو الاستثمارات الساخنة، مثل الأوراق المالية وأسواق الدين، لكن وبفضل التصنيف المُميز لعُمان على خارطة الاستثمارات الدولية وما تحتله من مكانة دبلوماسية مرموقة بين الدول، كان التَّوجه الاستثماري من هيئة ميناء أنتويرب البلجيكي أن يتم ضخ الأموال اللازمة لإنجاز هذا المشروع، والاستفادة من المقومات الاستراتيجية واللوجستية التي تزخر بها السلطنة، خاصة وأنَّ الميناء يقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخاصة في الدقم، والتي تمثل مدينة المستقبل للاستثمارات العابرة للحدود ونقطة جذب كبرى لمختلف الشركات والمؤسسات الدولية.

وضمن مشروع الدقم، يأتي مشروع "هايبورت الدقم" لإنتاج الهيدروجين الأخضر، في شراكة استراتيجية كبيرة لواحدة من أكبر المجموعات الاستثمارية في قطاع الطاقة سواء في عُمان أو مملكة بلجيكا، فمن عُمان تستثمر مجموعة "أوكيو" العريقة مع شريكتها البلجيكية "مجموعة ديمي"، في إطار الخطط الرامية لتعزيز الاستفادة في الطاقات النظيفة، وهو ما يؤكد الحرص العماني البلجيكي المشترك على دعم التوجهات العالمية نحو استخدامات الطاقة النظيفة، لمواجهة خطر الاحتباس الحراري الناتج عن استخدامات الوقود الأحفوري.

إذن الشاهد أمامنا أنَّ عُمان وبما تملكه من مقومات استراتيجية ولوجستية قادرة على جذب الاستثمارات النوعية، وهذا ما نريده، عُمان ليست بحاجة إلى مُستثمر يأتي لافتتاح مغسلة سيارات أو سوبرماركت في أحد الأحياء أو حتى مصنع لإنتاج مواد غذائية، فهذه المشروعات أولى بها أبناء البلد القادرون على تلبية تطلعات المستهلك وفهم احتياجاته وتقديمها له بأسعار تناسب الوضع الاقتصادي المحلي، أما الاستثمار الأجنبي فيأتي لإقامة مشاريع عملاقة بالشراكة مع الشركات العُمانية الكبرى، تساعد في توفير آلاف الوظائف لأبنائنا من الباحثين عن عمل، أو حتى المتطلعين لفرص وظيفية أفضل عبر الترقي والتقدم في مسارهم الوظيفي.

لكن في المقابل، وكما ذكرنا في مطلع هذا المقال، فإنَّ ثمة تحديات ما زالت قائمة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الحاجة إلى تقديم حوافز لزيادة أعداد السكان في مدينة الدقم، لأنَّ زيادة التعداد السكاني يعد واحداً من أهم عوامل نجاح وتميز المنطقة الاقتصادية الخاصة في الدقم، وحتى الآن ما زال التعداد السكاني منخفضًا، وهنا يمكن اقتراح تقديم تسهيلات وإعفاءات للشركات الراغبة في نقل أنشطتها إلى الدقم، ومن ثم انتقال العاملين وعائلاتهم، سواء عمانيين أو أجانب، إلى هناك، كما يمكن تقديم تأشيرات إقامة خاصة فقط بالدقم، وفتح الباب أمام الحركة السياحية في الدقم دون الحاجة إلى تأشيرات، على غرار ما هو حاصل في عددٍ من الدول، بما يساعد أي سائح على زيارة الدقم والاستمتاع بما تزخر به من مقومات سياحية دون تأشيرة. ومن بين المُقترحات كذلك السعي لجذب استثمارات لبناء ميناء لليخوت (مارينا) بهدف جذب أصحاب اليخوت السياحية والخاصة بالدخول إلى الدقم دون تأشيرة والاستفادة من الخدمات المقدمة، سواء سياحية أو حتى تلك المرتبطة بأعمال صيانة اليخوت.

وختامًا.. استطاعت عُمان أن تنتقل وبكفاءة إلى مرحلة متقدمة من جذب الاستثمارات الأجنبية، بالتوازي مع برامج طموحة لاستقطاب المزيد، وما علينا سوى المثابرة ومواصلة السعي والجهود المخلصة كي نصل إلى "عمان التي نُريد".. وإنِّا إن شاء الله لقادرون.