"خطة توازن اجتماعي".. قبل فوات الأوان!

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

هل يعيش المُجتمع العماني نتائج سياسات "التوازن المالي"؟ وهل النتائج المستقبلية المرجوة لهذا التوازن تستحق ما يحدث للمواطن حاليًا ليحيا الوطن والأجيال القادمة بـ"كرامة ورفاه"؟!

أعتقد أن المجتمع العماني يعيش تحولات اجتماعية واقتصادية كبرى، ستُؤثر على كل شيء حاضرًا ومستقبلًا؛ حيث إن "خطة التوازن المالي" ارتأت التضحية بآلاف الموظفين، الذين رأت أنهم يشكّلون عبئًا ماليًا عليها، والذين لم يقترب كثيرون منهم من سن التقاعد القانوني، ولم يكمل آخرون بضع سنوات على رأس العمل، والذين لقوا أنفسهم فجأة خارج نطاق التغطية، ودون تعويضات تُذكر، ودون النظر بشكل جدّي للالتزامات المالية التي ستترتب على هذا "التسريح الحكومي"، الذي ضحّى بخبرات إدارية، وكفاءات مهنية عديدة كلّفت الدولة الكثير، وأبقت الخطة على ولاة ومحافظين- مع كامل الاحترام لهم- دون مساس، وكأنَّهم عملة نادرة لا يمكن تعويضها، ولا التفريط بها!!

ثم جاءت عمليات التسريح المبرمجة للشركات الكبرى، والتي لم ترَ غضاضة في اتباع النهج الحكومي في تسريح موظفيها، وكانت الشماعة الدائمة لهذه الاستغناءات معلّقة على "آثار كورونا"، والركود الاقتصادي العالمي، ورأت أن الظروف مواتية للتخلص من العمالة الوطنية الزائدة، والتي تقلّص هامش الربح لرؤساء مجالس الإدارات، وتعيق تقدم العمالة الوافدة في المناصب الحسّاسة للشركات والمؤسسات الخاصة، وتهدر موارد المال لديها.

بعد ذلك بدأت الضرائب تهل من كل حدب وصوب على رأس المواطن، وبدأت أسعار الوقود والكهرباء ترتفع، ودخلت لعبة "تحديث" عدادات الماء والكهرباء، حتى لا يتلاعب المستهلك بالعدادات، وكأنه لا يُراد لهذا المواطن أن يستقر نفسيًا على الأقل، وارتفعت أسعار الخدمات الحكومية المقدمة للأفراد، وكل ذلك على حساب المواطن البسيط الذي زادت أسعار السلع الاستهلاكية من حوله، حتى كاد أن يغرق في لجّة جشع التجار، وتكالبهم عليه، دون أي تدخّل يُذكر- أو في أحسن الأحوال تدّخل خجول- من الجهات المعنية.

كل هذه التداعيات وغيرها، جعلت المواطن العماني أمام خيارات محدودة للغاية، فإمّا الصبر وإمّا القهر، وجعلته لقمة سائغة في فم البنوك تتناهشه من كل مكان، واكتظت المحاكم بآلاف القضايا التي رفعتها جهات التمويل على الشركات الصغيرة والمتوسطة، وكسدت تجارات التجار الصغار، وأضحت أسرٌ بأكملها دون مُعيل، وأخذت جمعيات الخير الأهلية دور الدولة في سد رمق كثير من الأسر، وأصبحت ظاهرة البيع على نواصي الشوارع لشباب في عمر الزهور أمرًا عاديًا، ولم يعُد مستغربًا زيادة حالات الطلاق نتيجة الظروف الاجتماعية السائدة، وزادت حالات السرقات، والمخدرات، والجرائم المختلفة، كنتيجة مباشرة للحاجة المادية المعسرة للكثير من الأسر.

كما إن ضياع أحلام كثير من الشباب والفتيات في الحصول على وظيفة محترمة بعد التخرّج، إلى جانب تخفيض أجور الحد الأدنى للوظائف سيترتب عليه العديد من الآثار الاجتماعية السيئة التي يصعب علاجها مُستقبلًا، ولن تكون "خطة التوازن المالي" قادرة على احتواء الشرخ الاجتماعي الذي بدأ في الظهور، والتغلغل في صلب المجتمع العماني الكريم، بسبب نظر الخطة إلى جهة واحدة من المشهد، والتغاضي عن الجزء المؤلم والمظلم من ذلك المشهد.

نأمل أن يتم إعداد "خطة توازن اجتماعي" عاجلة، وأن تُنفذ بنفس الصرامة والسرعة والحسم الذي نُفذت به أختها خطة التوازن المالي، لإصلاح ما يجب إصلاحه قبل أن يتسع "الفتق على الراتق"، ويدفع الوطن أثمانًا تفوق ما أنفقه على خطته المالية.