مدرين المكتومية
يظلُ الإنسانُ طيلة حياته يبحث عن الاستقرار النفسي قبل أي شيء، يُحب ويكره، يقترب ويبتعد، يُصرّح بما في داخله ويكتم أيضًا، يخوض التجارب فيتعثر ثم ينهض، فيسقط ثم يقفز واقفًا، يجني ثمار ما خاضه من معارك حياتية وصراعات نفسية، فتتبلور له رؤيته المحدودة دومًا للحياة والعالم من حوله... فهل في ذلك عيبٌ أم أنها طبيعة الحياة وسنتها التي جُبل عليها الناس منذ بدء الخليقة؟!
دعونا نتخيل أنَّ الحياة في مجملها مثل الدائرة، ندور في حلقة مغلقة، منتظرين أن يأتي ذات صباح لنجد أنفسنا قد حققنا ما نريد وما نتمنى، تخيلوا أنفسكم في هذه الدائرة أيُعقل أن يتقبل المنطق أنكم تستطيعون تغيير الأوضاع بينما يعيش كل فرد متقوقعًا في ذات الحلقة؟ بالتأكيد لا!
إننا بحاجة دائمًا لأن نكسر الأوهام المحيطة بنا في صورة أفكار تسيطر على عقولنا وقلوبنا، علينا أن نُحطم قيود الواقع ونقتلعها من أعماق نفوسنا، أن نبتعد عن دائرة اعتدناها وأعتدنا أن نعيش في محيطها لنشعر بنشوة النصر المزعوم، وأيضًا لنُجرِب الهزيمة. لذلك أرى أن التجربة لا تُورَّث، وعلى كل شخص منِّا أن يعيش انكساراته ونجاحاته بنفسه، أن يحيا تجربته الخاصة ليشعر بسعادة كل ما يُحققه، التجارب الإنسانية ليست خارقة للعادة؛ بل هي طبيعية، يخوضها الفرد ليرى مدى مقدرته على التمرد على كل ما يحيط به على عادات نشأ عليها، وروتين لا يتوقف عن القيام به، من أجل أن يحقق الرضا الذي قد يجعله يكتفي بما هو عليه وفيه.
دعونا نخرج عن مسار الدائرة، نبتكر طرقًا أخرى، ومسارات جديدة، دعونا نتخيل أنَّ الحياة منعطفات حقيقية، لا ترضون بالاكتفاء بما وجدتم عليه غيركم، حاولوا أن تعيشوا حياتكم فكل شخص منكم مسؤول عن مراحل عمره، وسنواته فيما قضاها، وما الذي قدمه من أعمال لنفسه، الشخص الذي تتمنى أن تكون مثله، فهو في يوم من الأيام لم يكن سوى شخص عادي، استطاع فقط أن يفكر أنَّ من حقه خوض تجربته الخاصة بعيدا عن ما تمليه عليه القبيلة والأهل، وبذلك خرج من إطار الحياة المفروضة لحياة أكثر رحابةً وسعةً.
نحن مجبرون على خوض التجربة، مجبرون على أن نختار بين شيئين، أحدهما نريده والآخر نحبه. وفي كثير من الأحيان، تؤثر العاطفة في الكثير من تلك القرارات والخيارات، وبالتالي نجد أنفسنا قد وقعنا في خطأ فادح، وفي أحيان أخرى، نُحكِّم العقل فنجد أنفسنا قد تجاوزنا الكثير من الأخطاء، ليس بالضرورة أن تكون تجاربنا طريقنا السريع نحو النجاح، لربما هي الخطوة الأولى نحو النجاح، ففي كل تجربة وخطوة نتعلم شيئًا ما، ونترك وراءنا أشياءً أخرى. إننا نمضي لنتعلم ونكتشف الآخر في طريقنا، هناك من نتقاسم ونتشارك معه تجاربنا وهناك من نسقطه من حساباتنا لأنه لا يستحق حتى ان يتعلم مما مررنا به.
لا يجب علينا أن نحزن أو نتأثر أو نسمح في لحظة انكسار أن يسخر أحدهم من تجاربنا، علينا أن نكون كالجبال أمام ما يحدث لنا من جراء ما نُقدم عليه، فالتجربة شيء خاص ولا يمكن لأي أحد أن يحملها أو أن يشعر بما نعيشه دون أن تكون له تجربته الخاصة التي يتعلم أيضا هو منها.
أقول دائمًا إنَّ التجربة لا تُورَّث، فالتجربة خلاصة هفواتنا ونجاحاتنا، ولحظات انكسارنا وسعادتنا، هي محصّلة كل التناقضات التي قد نعيشها في لحظة من لحظات العمر ومحطاته المختلفة، إنها الحياة في مجملها..
نحن نعيش حياتنا وفق تجاربنا ومن خلال تلك التجارب نستمد قناعاتنا ورؤيتنا لكل ما يحدث حولنا، شئنا أم أبينا! فهل وصلت الفكرة؟!