د. خالد بن علي الخوالدي
عاش في أمان هو وعائلته الصغيرة طوال السنوات الماضية، البيت الذي كان يأويهم هو وأمه وأبوه وأبناءه، انكسر منه أحد الأعمدة بفقدان الوالد الغالي، لكنهم واصلوا الحياة بانكسار واعتادوا على الأمر؛ حيث يذهب الابن للعمل في العاصمة ويعود في نهاية الأسبوع ليجد أمه الغالية في انتظاره بشوق وحنين ورغبة في رؤيته مع أبنائه.
حاول الابن البار نقل أمه معه إلى بيته المُتواضع الذي بناه بقرض ممول من الشركة في مُحافظة مسقط، إلا أن أمه رفضت رفضًا قاطعًا الانتقال، فقد عاشت أكثر من خمسين عامًا في الحارة التي تعرف كل من فيها، وتجد ذكريات المرحوم في كل سكة تمر فيها، وفي ثنايا البيت الذي لم تتخيل يومًا أن تتركه، إلا وهي محمولة على الأكتاف إلى مثواها الأخير بعد عمر طويل إن شاء الله.
استمر هذا الوضع لسنوات طويلة كانت تعيش الأم وحيدة في هذا المنزل، تُعارك الحياة وتقضي وقتها مع جيرانها ومن يزورها في هذا البيت الكبير في نظرها، تُعانق جدران البيت بحب وبقدسية لا يتصورها عقل، لا يهمها في هذه الحياة إلا المحافظة على هذا البيت وما تبقى لديها في هذه الدنيا وهم أبناؤها الثلاثة الذين يترددون عليها ويتجمعون معها في نهاية الأسبوع. ورغم أن الوقت يمر سريعًا، إلا أنها أسعد من في الوجود فقد تحققت لها كل السعادة بوجود أبنائها في البيت الكبير والجميل والمريح في نظرها، هذه السعادة التي كانت تعيشها قدَّر الله أن لا تستمر فقد جاء "شاهين" بعنفوانه وركل البيت ركلة شديدة، جعلته مهشمًا ومتكسرًا وبلا أعمدة، وقد قضى على كل أحلام تلك العجوز وكسر بذلك كل الأعمدة التي كانت تنظر إليها وتتكئ عليها.
بعد فقدانها لسعادتها ظهر بصيص من الأمل من صاحب القلب الحنون؛ حيث جاءت الأوامر السامية لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- ببناء منازل للمتضررين الذين فقدوا منازلهم، ومع هذه الأوامر فرح الجميع واستبشروا خيرًا وبدأت مرحلة التطبيق من وزارة الإسكان والتخطيط العمراني، والتي تعاملت مع الأمر بطريقة أحبطت الكثيرين، تكسرت معها أحلام الأم وابنها من جديد؛ إذ قالت الوزارة إنَّ من يملك منزلًا آخر فهو غير مستحق لبناء منزل له، وهنا تلاشت تلك السعادة وماتت معها كل الأحلام والآمال والتطلعات وتكسرت الأوامر السامية على جدار وزارة الإسكان. بالله عليكم يا وزارة الإسكان والتخطيط العمراني أهذا قرار؟ الآن هذا الابن المغلوب على أمره والأم العجوز يحرمان من بيت يؤويهما لمجرد أنَّ الابن يملك بيتًا متواضعًا في محافظة مسقط، تهدَّمَ بيتهما في ليلة مظلمة، لتأتوا أنتم وتزيدوا حياتهما ظلامًا فوق الظلام. الأم ترفض الذهاب للعيش في العاصمة ولا تستطيع التأقلم عليها، بعد أن وصل عمرها لحدود السبعين عامًا، والابن لا يستطيع بناء منزل لها في الولاية التي يعيشون فيها.
هناك حالات كثيرة مثل حالة هذه العجوز وابنها، فلماذا يا وزارة الإسكان والتخطيط العمراني تتجهين ببوصلة الأوامر التي أمر بها قائد البلاد المفدى إلى مسارات بعيدة كل البعد عن المنطق والرأفة، فمن تهدَّم منزله يفترض أن يُبنى له منزل آخر دون شروط، ولا مُراجعات وتوسلات ورسائل ومقالات ولا صرخات. إن المتضررين من إعصار شاهين يا وزارة الإسكان هم أبناء هذا الوطن ولهم حق في أن يعيشوا بأمان في منزل يأويهم ويضمهم بعد أن تهدم بيتهم، وليس لكم من الأمر شيء في حرمانهم من هذا الحق الأصيل، ناهيكم عن المتضررين الذين لا يزالون يترددون بين وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة الإسكان بين مستحق وغير مستحق، وكلها قرارات مرتجلة وبدون مراعاة للجوانب الاجتماعية، ودُمتم ودامت عمان بخير.