ترسيخ الحماية الاجتماعية

حاتم الطائي

◄ المتغيرات الاقتصادية الدولية ألقت بظلال سلبية على اقتصادنا الوطني

◄ قرارات الإصلاح الاقتصادي راعت المواطن وسعت للحد من تأثيراتها

◄ الحكومة تواصل تنفيذ برنامج التوازن المالي مع الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي

منذ أن قرَّرت الدولة اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات وخطوات من أجل مُواجهة التحديات المالية، لا سيما تلك التي تضاعفت وتضخمت تحت وطأة وباء كورونا والتراجع الكبير في أسعار النَّفط، وضعت في مسارٍ موازٍ خطة طموحة لتوفير الحماية الاجتماعية للمُواطنين، خاصة الأكثر عرضةً لأية تأثيرات ناتجة عن هذه القرارات الحتمية.

واقع الأمر يُشير بوضوح إلى أنَّ عُمان تأثرت بشدة نتيجة للمُتغيرات الاقتصادية الدولية، فمع هبوط أسعار النَّفط تراجعت الإيرادات العامة للدولة، لكن ذلك لم يثنِ الحكومة عن مواصلة تنفيذ المشروعات، ولذلك وجدنا الدين العام يتصاعد، والعجز في الميزانية السنوية آخذ في الزيادة، وهما نتيجتان طبيعيتان لتراجع الإيرادات مع استمرار الحرص على تنفيذ المشروعات الخدمية والتنموية. لكن مع استمرار التَّراجع في عائدات النفط، بدأت الحكومة تنفيذ خطة مُحكمة للسيطرة على العجز والدين العام، بالتوازي مع إجراءات ترشيدية للإنفاق العام، الأمر الذي سمح للحكومة بتخفيف الأعباء المالية الناتجة عن الأزمة. وقبل عام 2019 ومع بلوغ حرب أسعار النفط ذروتها، حلَّت أزمة عالمية جديدة نتيجة تفشي وباء كورونا، فكانت الضربة مزدوجة لمختلف الاقتصادات حول العالم؛ حيث حدثت حالة من الركود الاقتصادي بسبب تعطل الأنشطة الاقتصادية والإغلاقات العامة التي انتشرت في عدد كبير من البلدان حول العالم، للسيطرة على الوباء، إضافة إلى أزمة صحية تنامت وتضاعفت مع الزيادة في أعداد المصابين بالمرض، ودخل العالم أجمع في نفق مُظلم، ما فتئ أن لاح فيه بصيص الأمل مع الشروع في طرح اللقاحات المضادة لوباء كورونا. عندئذ بدأ الاقتصاد العالمي يتنفس الصعداء، ويمضي بوتيرة بطيئة لكنها حثيثة نحو التعافي من براثن الأزمة.

على المستوى المحلي، لم تكن الأوضاع أفضل حالًا من الاقتصاد العالمي، ولذلك قررت الحكومة تنفيذ حزمة من القرارات الإصلاحية؛ لضمان أن يتسم الإنفاق العام بالاستدامة والفعالية الكبيرة، من خلال توجيه مبالغ الدعم على الطاقة والخدمات، لمن يستحقها، ضمن برنامج التوازن المالي المُمتد حتى عام 2024. وكانت الحكومة قبل ذلك بدأت بالفعل في الرفع التدريجي للدعم عن وقود السيارات، لكنها أطلقت في الوقت عينه نظام الدعم الوطني، والذي يشتمل على تقديم دعم لأصحاب الدخول الضعيفة والمُتوسطة على سعر لتر الوقود، ما ساهم في تخفيف حدة الأزمة على هذه الفئة من أبناء عُمان. ولم يتوقف الأمر عند ذلك؛ بل عندما شرعت الحكومة في البدء برفع الدعم تدريجيًا عن الكهرباء والمياه، أطلقت نظامًا لدعم الفئات المستحقة، بما يحقق العدالة الاجتماعية. وعلى الرغم من التحديات التي صاحبت مثل هذه القرارات، إلا أن الحكومة لم تتوانَ عن إعادة النظر في بعض القرارات، استجابة لصوت المواطن، وكانت النتيجة إعلان هيئة تنظيم الخدمات العامة مراجعة تعرفة الكهرباء للفئة السكنية والقطاع الزراعي والتعرفة المنعكسة.

وإذا نظرنا في فلسفة هذا الإجراء الحكومي، نجدُ أنَّه يستهدف في الأساس كلًا من المواطن والعاملين في القطاع الزراعي وكبار المُشتركين من الأنشطة التجارية والاقتصادية؛ حيث إن مراجعة الأسعار تمثل دعمًا إضافيًا للمواطن، فعلى سبيل المثال، بدلًا من أن ترفع الحكومة الدعم عن الكهرباء في غضون 5 سنوات، سيتم تنفيذ القرار على 10 سنوات، بهدف تخفيف الأعباء عن كاهل كل مُواطن مستحق. وكذلك الحال بالنسبة للقطاع الزراعي؛ حيث يسهم القرار دعم المُزارعين وتقليل تكلفة الإنتاج، ومن ثم تعزيز الأمن الغذائي وجذب الاستثمارات إلى هذا القطاع الواعد في ظل التقنيات الحديثة التي تتغلب على مشاكل الري والطقس الحار. أما فئة التعرفة المُنعكسة، فهي بالأساس تستهدف القطاع الاقتصادي، بما يضمن تخفيف الضغوط عنه، ويُحقق بذلك التعافي ثم النمو الاقتصادي المنشود.

ويبقى القول.. إنَّ الجهود المتواصلة من أجل تخفيف العبء عن المواطنين تؤكد أنَّ الحكومة الرشيدة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- ماضية قدمًا في توفير العيش الكريم لكل أبناء عُمان، ومساعدتهم على مُواجهة الضغوط والتحديات مهما عظمت، فضلًا عن السعي الحثيث من قِبل مُؤسسات الدولة من أجل تحقيق التعافي الاقتصادي والانطلاق نحو آفاق النمو، لا سيما في القطاعات الإنتاجية الواعدة، والتي تمثل مصدرًا لزيادة الإيرادات وتحسين دخل المواطن. وبذلك تكون الحكومة نجحت في ترسيخ منظومة الحماية الاجتماعية، وقدمت الكثير من أجل توفير سُبُل الدعم المُمكنة للمواطنين المُستحقين.

الأكثر قراءة