افتحوا البلد

 

خلفان الطوقي

هناك دعوات حقيقية بضرورة فتح البلد أكثر ممّا مضى، تقابلها دعوات أخرى بضرورة عدم فتح البلد على مصراعيها، وكلا الطرفين له وجهة نظر وينظر إلى الزاوية التي تهمه، وفي هذه المقالة يمكن استعراض مزايا فتح البلد وزيادة نسبة الوافدين إليها من 38% إلى 50% من السكان أو أكثر من ذلك بقليل، وما تحديات هذا التوجه؟!

تعاظمت وجهة نظر الفريق الذي يُطالب بضرورة تسهيل قدوم الوافدين إلى السلطنة في نهاية عام 2020 وبداية عام 2021 إبان أوج آثار جائحة كورونا عندما غادر مئات الآلاف من السلطنة، وضرورة تسهيل قدومهم من جديد؛ بل ومضاعفة أعدادهم حسب الحاجة الفعلية لبيئة الأعمال لعدة أسباب؛ وأهمها:

المعروض أكثر من الطلب؛ أي بمعنى أنَّ كل ما هو موجود من الأنشطة التجارية حاليًا يستوعب أعدادًا أكبر بكثير من السكان الحاليين، مما سوف يشكل خسارة في الأعمال التجارية الحالية، وبالتالي خسارة مالية متوقعة، وإفلاساً ومن ثم إغلاق وخروج من السوق. هذا ينطبق في أفضل السيناريوهات.

لكن أصعب السيناريوهات يتمثل في مُواجهة مع الدائنين ومكاتب المحاماة والمحاكم، ويمكن وضع مثال لأي نشاط تجاري؛ مثل: بناية مُمولة من بنك، فإن كان المعروض من الشقق أكثر بكثير من الطلب من المستأجرين، فالنتيجة المتوقعة أن لا يستطيع صاحب البناية إيفاء أقساط البنك حسب خطة الدفع المُتفق عليها، مما يدفع البنك أو الجهة التمويلية لاتباع الإجراءات القانونية، بدءًا من إعادة هيكلة التمويل، وانتهاءً بسحب العقار وعرضه للمزايدة، أو اتخاذ إجراءات أكثر صرامة. وما ينطبق على هذا المثال، يمكن إسقاطه على باقي الأنشطة التجارية.                                        

الكثافة السكانية: الداعين إلى فتح البلد يراهنون على أنَّه وبدون رفع نسبة السكان ومنهم الوافدون، فلن تكون عُمان جذابة استثماريًا، ويعقدون مُقارنات بدول أخرى مكتظة بالسكان، ويرون ذلك جليًا خاصة بعد مغادرة الآلاف من الوافدين قبل عدة أشهر، وإحساسهم بتأثر أعمالهم التجارية بذلك، واستمرار هذا النهج ستكون عواقبه أصعب وأعقد.

صعوبة النشاط التجاري: بدون فتح البلد وتسهيل قدوم الوافدين، فإنَّ ممارسة النشاط التجاري ستكون أصعب، وذلك لعدة أسباب؛ منها: تأثر القطاع الخاص الحالي بهزات إغراق السوق، وزيادة العرض من الأنشطة التجارية مقارنة بالطلب الفعلي لها من ناحية، وصعوبة استقطاب وجذب مستثمرين جدد من ناحية ثانية. فما يتناقله المتأثرون الحاليون سوف يؤثر سلبًا على المستثمرين الجدد بشكل مباشر أو غير مباشر، وبالتالي سيؤثر بعد حين على سمعة السلطنة ومدى جاذبيتها لممارسة الأعمال أو استطاعتها لجذب استثمارات ورؤوس أموال جديدة.

دخلٌ لخزينة الدولة: بمعنى أن تسهيل استقدام عمالة أجنبية حسب الحاجة الفعلية للأنشطة التجارية سوف يضاعف العوائد المالية لهذا البند، كما إنه سوف يساهم في استدامة الأنشطة التجارية المتنوعة التي تدفع ضرائب ورسوم لكل خدمة حكومية، فالفائدة لن تكون للتاجر بنفسه، وإنما للدولة أيضًا في صور اقتصادية متنوعة، وذلك من خلال ضمان توسعة رقعة النشاط التجاري ليعمل بشكل ديناميكي؛ حيث يخدم النشاط التجاري الواحد باقي الأنشطة التجارية، وتنويع الخدمات والسلع، ومحاربة الاحتكار، والسيطرة على التضخم من خلال تخفيض الكلفة المالية. وفي صورته الاجتماعية في شكل توظيف للعماني إن زادت وتضاعفت وتوسعت الأنشطة التجارية بكل سهولة ويسر، ونقل خبرات تكنولوجية وبشرية وآثارها الإيجابية على باقي المنظومة المجتمعية.

تعويض الإنفاق المالي الحكومي: استفاد القطاع الخاص بشكل مباشر أو غير مباشر من المشاريع التنموية العملاقة، ولكن منذ عام 2015 وبسبب التذبذب الحاد بأسعار برميل النفط، تغيرت نسب الإنفاق المالي الحكومي وقلّت، كما انخفضت بشكل ملحوظ في عام 2020 و2021 بسبب جائحة كورونا (كوفيد-19)، ومن المُتوقع أن يكون الإنفاق حذرًا في الأعوام القليلة المُقبلة، مما قد يزيد من مُواجهة الشركات للصعوبات. وأحد طرق التعويض يكون من خلال الزيادة السكانية الحالية، وتسهيل قدوم الوافدين إلى السلطنة حسب الحاجة الفعلية، واستقطاب استثمارات كبيرة ومتوسطة جديدة تعوّض المفقود الحكومي وغير الحكومي، فلا يُمكن التعويض من خلال سياسات التقشف، وتشديد الإجراءات.

في المقابل، فإنَّ وجهة النظر الأخرى قلقةٌ إزاء فتح البلد على مصراعيها، ومنافسة الوافد للمواطن في الفرص الاستثمارية أو فرص التوظيف، والتركيبة السكانية لصالحه، والقلق الأمني، وزيادة العمالة السائبة، وتعاظم التجارة المستترة من جديد.

ويظل هذا السجال مُستمرًا، لكن الحكومة هي من تستطيع تعظيم المزايا لهذا التوجه، وتقليل التحديات وطمس هواجس المجتمع، من خلال خبراتها التراكمية السابقة، ومستجدات الأوضاع الحالية، والإحصائيات والأرقام والمعلومات المتوفرة لديها، والعمل الجماعي للحكومة من خلال أجهزتها التنفيذية الأمنية والخدمية للوصول إلى معادلة مقبولة تستطيع القراءة الميدانية الواقعية الصحيحة، والوصول بالدولة لتحقيق مبدأ لا ضرر ولا ضرار، والكل في هذه المعادلة رابحٌ.