2022.. هل هو عام الحسم العسكري أم التسويات؟

 

جمال بن ماجد الكندي

يُدرك كثيرون أنَّ منطقتنا تقع تحت صراع لتيارين رئيسيين في السياسة والعسكر والاقتصاد، وهذان التياران متناقضان آيديولوجيًا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؛ وهما: أمريكا وروسيا، والأخيرة هي وريثة الاتحاد السوفيتي السابق، وهنا تكمن المشكلة والتعنت عند الطرف الأول.

فأمريكا بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي السابق، والذي كان بتخطيطها تزعمت العالم وأصبحت القطب الأول والأوحد الذي لابُد لكل الأقمار- إن صح التعبير- أن تدور في فلكه، واستمر هذا الأمر لعقدين من الزمن، إلى أن تبدل الوضع بظهور القوة الروسية في العسكر والسياسة بقيادة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمارد الصيني في الاقتصاد، فكان لابُد من تغيير في سياسة إدارة العالم، من سياسة الاستفراد إلى سياسة تعدد الأقطاب.

وهذه كانت أكبر مشاكل أمريكا، فهي لا تُريد أن تعترف ولو ضمنيًا، بأن العالم لا يُدار من البيت الأبيض فقط. حلفاء أمريكا يدركون ذلك ومقتنعون به، لكن تعنت أمريكا يخلق المشاكل في المنطقة؛ لأنها تريد الحل وفق رؤيتها الخاصة. والسؤال المطروح: متى تدرك أمريكا أنها ليست اللاعب السياسي والعسكري والاقتصادي الوحيد في العالم؟ جواب هذا السؤال ضمن خبايا الملفات السياسية والعسكرية التي طرفها أمريكا أو حلفائها في المنطقة من هنا سندخل إلى عنوان المقال: هل عام 2022 عام التسويات أم عام الحسم؟ أولًا نقول إن كلمة الحسم تعني أنَّ الغلبة لأحد المحورين، والكلمة الثانية وهي التسويات وتعني أن كلا الفريقين يدركان أهمية الآخر في التأثير بقضايا المنطقة، فيدخلون في مساحة التسويات والتي عنوانها "رابح- رابح win-win situation" .

بدأتُ بهذه المقدمة كي ندرك حقيقة الصراع السياسي بين الدول ومن يحرك هذا الصراع، طبعًا هناك قضايا سياسية واقتصادية وعسكرية يكون الطرف الأمريكي والروسي والصيني عنوانًا رئيسيًا، مثل صراع التوسع لدى حلف "الناتو" في الحديقة الخلفية لروسيا، مثال ذلك أوكرانيا حاليًا شاهد على ذلك وكذلك الحرب الاقتصادية التي أسمها الحرب الناعمة بين أمريكا والصين وهي ظاهرة على السطح؛ بل هي حسب الساسة الأمريكان هي الأهم من كل الملفات الأخرى في العالم وساحتها كذلك الحدائق الخلفية للصين: (تايوان وهونج كونج وكوريا الشمالية)، وهنالك ملفات أخرى فيها أمريكا وروسيا على رأس القائمة مع حلفائهما يتصارعون عليها، فهل هو الحسم أم التسويات؟

هناك قضيتان مهمتان اليوم هما: ساحة الصراع بين المحورين، وطبعًا في كلا المحورين هناك حلفاء ودول الوسط. القضية الأولى هي الاتفاق النووي مع إيران، والذي كان يسمى قبل خروج أمريكا منه في زمن الرئيس السابق دونالد ترامب اتفاق "الخمسة + واحد". وهذا الاتفاق يعاد صياغته اليوم في "اجتماعات فيينا" مع أمريكا بعد خروجها، لكن ليس بالمفاوضات المباشرة مثل السابق؛ بل عبر الوسيط الأممي والأوروبي. والقضية الثانية التي هي محور تماس مُباشر مع روسيا وهي أزمة أوكرانيا، وسعي حلف "الناتو" لضم هذه الدولة إلى الحلف.

في هذين الملفين تتضح ملامح الصراع بين المحورين، ففي مسار مفاوضات القضية الأولى يتضح لنا مدى جدية الغرب، وعلى رأسه أمريكا في إيجاد حل للملف النووي الإيراني. هذا الملف سوف ينعكس الاتفاق فيه من عدمه على باقي ملفات المنطقة، والتي إيران طرف فيها بشكل مباشر مثل الصراع في سوريا أو من وراء الكواليس مثل ما هو حاصل في لبنان واليمن، لذلك فالحل السلمي الذي يرضي جميع الأطراف في فيينا سوف ينعكس إيجاباً على ملفات أخرى جبهاتها ساخنة وتنتظر ما ستسفر عنه اجتماعات فيينا والتي يدرك العدو الصهيوني أهميتها، وماذا سينتج عنها إذا ما كانت في صالح إيران.

لذلك يعلم الأمريكي جيدًا أن فشل المفاوضات مع إيران سوف يُدخل المنطقة في حالة اشتباك مباشر معها ومع حلفائها في المنطقة؛ لأن إيران لن تتراجع للوراء في تخصيب "اليورانيوم" ولها القدرة التقنية بدخول النادي النووي بأقل وقت ممكن حسب وجهة النظر الأمريكية، وسوف تتعدى 60% من تخصيب اليورانيوم، والغرب في فيينا يريد وقف هذا التقدم عبر المفاوضات تحت عنوان المكاسب الاقتصادية التي سوف تجنيها إيران من وراء الاتفاق الجديد. الوقت هنا هو الحاسم؛ فهو ليس في صالح أمريكا ولا حلفائها أصحاب الرؤوس الحامية، والاتفاق اليوم هو أفضل الحلول وقد قالها الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما إن الاتفاق النووي مع إيران سوف يوقف سباق التسلح في المنطقة، وأن بديل هذا الاتفاق هو الحرب وهو أفضل الحلول ولو كان سيئا عند البعض، ويقصد إسرائيل.

فهل تستطيع أمريكا وحلفاؤها تحمل حرب جديدة في المنطقة؟ ليست حربًا بالوكالة ولكن حرب دول. وهناك نسبة تفاؤل حذرة بنجاح هذه الاجتماعات وبخروج الطرفين بقاعدة "رابح رابح" التي يُراد منها أن تُعمم على باقي الملفات في المنطقة، فهذا الاتفاق حسب بعض المراقبين سوف يحقق نسبة هدوء معينة في الساحات العسكرية التي طرفها حلفاء إيران في المنطقة، وهنا أقصد سوريا واليمن عسكريًا ولبنان سياسيًا.

طبعًا هذا رأي من يقول إن الاتفاق النووي الجديد هو القاعدة التي سوف ينعكس صداها سلبًا أو إيجابًا على الملفات الساخنة الأخرى في سوريا واليمن ولبنان، ولكن الجانب الإيراني يكرر دائماً أن هذه الملفات منفصلة، ولا يدخل الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب فيها، طبعاً هذا رأي، ولكن وراء الكواليس تتم الاتفاقات وتصاغ السياسات الجديدة فلا أحد يُريد تحمل فواتير الحروب خاصة إذا كانت بين الدول.

من هنا نقول إنه في حالة تم الاتفاق مع إيران في فيينا، فإن المنطقة خلال هذا العام ستتجه إلى التسويات مع أمريكا وحلفائها؛ لأن باب الحرب الذي تتمناه إسرائيل ومن معها أن يفتح على إيران سيُغلق بهذا الاتفاق، بالتالي لا بُد من إغلاق باقي الملفات العسكرية والسياسية في سوريا واليمن ولبنان من أجل الاستقرار في المنطقة.

أما القضية الثانية فهي محصورة بين أمريكا وحلفائها الأوربيين، وهنا لابُد أن نقف وقفة، فليس كل الأوربيين متحمسين للرأي الأمريكي ضد روسيا في قضية أوكرانيا، وهذا يدل على مدى هشاشة هذا الحلف وعدم تسيد الأمريكي له بسبب وجود مصالح تجارية أوروبية مع روسيا، وعدم استعداد "الناتو" لخوض حرب عبثية من أجل أوكرانيا، وحتى الأمريكي قالها إنه لن يُرسل قوات عسكرية تقاتل في أوكرانيا، لكنهم يدربون ويسلحون أوكرانيا لمواجهة الروس منذ سنوات، وهذا أقصى ما يتم فعله طبعًا مع التلويح بالعقوبات الاقتصادية، وهو سلاح أمريكا الضعيف، مقارنة بأيام مجدها العسكري. في المقابل، روسيا لن تسمح بتمدد "الناتو" في حدائقها الخلفية، وتجربة جورجيا ما زالت عالقة في الذهن الأمريكي.

عام 2022 باعتقادي هو عام التسويات لا الحروب، بسبب الأزمات الاقتصادية التي سببتها جائحة كورونا، والعالم ليس على استعداد لخوض حروب جديدة لا في أوروبا يكون طرفها الروسي من أجل عيون أوكرانيا، ولا في الشرق الأوسط طرفها المباشر إيران ومن ورائها الروس والصينيون، لكن ستكون هناك اتفاقيات في سوريا بوجود رئيسها الحالي تضمن وحدة الأراضي السورية وحل مشكلة الشمال السوري الذي يتواجد فيه الأمريكي بذراعه العسكري "قسد" ، وغرب الشمال السوري المتواجد فيه التركي بذراعه العسكري "الجماعات المسلحة"؛ سواءً بالطرق السلمية أو الحل العسكري الذي يضمن وحدة سوريا.

طبعًا هذا سنشهده بعد الاتفاق النووي والذي سيكون عنوان ما بعده هو الحلول السياسية والتسويات في المنطقة، وفي اليمن سيقتنع الحلف السعودي بأنَّ اليمن قد تغير ويوجد فيه تيار جديد لابُد من إشراكه في المعادلة السياسية الجديدة في اليمن، والتي ستشبه حالة لبنان بوجود تيار سياسي مُغاير للتوجه الأمريكي وحلفائه في المنطقة ويرفع شعار الموت؛ لإسرائيل علنا ويقبل سياسياً لأن الحرب العبثية معه لم تفلح في كسره.

والأمر كذلك ينطبق على لبنان الذي يحاول حلفاء أمريكا إخراجه من المنظومة السياسة، وشيطنته عبر أدوات أمريكا في لبنان، لذلك نعتقد أن الاتفاق مع إيران سوف يصنع حلولا ترضي الجميع فهو سيبعد شبح الحرب في المنطقة مع إيران بشكل مباشر أو يصعد مع حلفائها في لبنان وسوريا واليمن، فنرجو أن نرى هذه الحلول السياسية وأولها الاتفاق النووي مع إيران خلال هذا العام والذي بدوره سيفتح آفاق الحلول والتسويات السياسية الأخرى في مناطق الاشتباك بالمنطقة.