صبرٌ جميلُ والله المستعان

 

فاطمة هبيس الكثيرية

 

استوقفتني قصة رواها الشيخ عبد الرحمن الباهلي قال : (كان هناك رجل رزقه الله بولد فلما بلغ الولد سنتين مات الولد فحزن عليه، وبعد ذلك حملت زوجته وأنجبت ولدا آخر، ولما بلغ سنة مات الولد الثاني، وبعد ذلك رزقه الله بأربع بنات كبرت البنات أول واحدة تزوجت ففرح بها، ولكنها ماتت، وهي في الثامنة والعشرين فدفنها بيده، ثم زوج الثانية فلما أنجبت طفلة، وفرح بها ماتت أيضًا وعمرها واحد وعشرون عاما ثم البنت الثالثة لم يبلغ عمرها سبعة وعشرين عامًا إلا وتمرض وتموت؛فيدفنها، وبعد كل هذا الألم لم يبق عنده إلا بنت واحدة، فيرزقه الله بولد فيتعلق بهذا الطفل ويحبه حباً جماً، وما أن بلغ سنة ونصف السنة إلا ومات هذا الطفل أيضا. إذن دفن ستة من أبنائه ثلاثة أولاد وثلاث بنات.

أتدرون من هو؟ إنِّه محمد صلى الله عليه وسلم.

من هذه القصة نستنتج أنه علينا الصبر مهما كانت الابتلاءات؛ فقد يبتلى الإنسان بأحب الناس إليه، ويعتقد أن حياته ستتوقف بعد فقدانه لهذا الشخص أو ذاك، وقد يستمر في حزنه طويلاً وأحيانًا قد يعتقد أنه لا يستطيع تجاوز هذه المحنة أو تلك المصيبة وخاصة بعد تفشي الأمراض في وقتنا الراهن، وفقدان الكثير من الأحباب في فترة وجيزة؛ مما يؤدي بالإنسان إلى الصدمة وخاصة بعد فقدان شباب في ريعان شبابهم، ولكن عندما يستشعر الإنسان ألم رسولنا الكريم، وهو يدفن ستة من أبنائه وهم في ذلك العمر الصغير وصبره وثباته على ذلك يدرك أنه يجب الصبر والاقتداء بحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذه دار ابتلاء وامتحان يقول الله تعالى (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)

والابتلاء سنة الله في خلقه؛ فقد قال تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين) فهنا يبين الله تعالى أنه لابد أن يبتلي عباده بالمحن؛ ليتبين الصادق من الكاذب والجازع من الصابر.

وقد ضربت لنا الخنساء مثالاً رائعاً للصبر عندما ابتليت برحيل أولادها الأربعة (عمرة، وعمرو، ومعاوية، ويزيد) في معركة القادسية وقالت كلماتها المأثورة:"الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم جميعاً في سبيل الله ونصرة دينه وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مُستقر رحمته".

وهذا نبي الله أيوب الذي أصبح مثالا على الصبر فيقال: (صبر كصبر أيوب)؛ فقد كان أيوب غنيا أنعم الله عليه بالمال الوفير، ورزقه ربه بالكثير من الأبناء، ولديه زوجة جميلة، وكان صحيح البدن قويًا جميلاً ولكن شاءت إرادة الله أن يبتلى أيوب، ويقع في اختبار عظيم، فخسر كل أمواله، لكنه حمد الله وصبر، ثم خسر كل أبنائه فحمد الله وشكر وصبر ثم خسر صحته ولم يبق فيه عضو سليم إلا قلبه ولسانه فكان يذكر ربه بهما، فخذله كل الناس إلا زوجته التي صبرت معه فكانت تخدمه وتساعده على قضاء حاجته، ووصل بها الحال أن تبيع ضفائرها؛ لتشتري طعاما عندها دعا سيدنا أيوب ربه قال تعالى:(وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين). فرفع الله سبحانه البلاء عن سيدنا أيوب. وهذا يدل على كرم الله وقدرته فهو وحده الذي يقول للشيء كن فيكون.

ثبتنا الله وإياكم على الحق وعلى الصبر في كل الأحوال، ودمتم في سعادة لا تزول من رب راض غير غضبان.

تعليق عبر الفيس بوك