مدرين المكتومية
ذات مساء يحفه الهدوء، وليلة شتوية أتقلب فيها بين لسعات البرد، لم يكن لديَّ ما أكتبه عبر هذه السطور سوى الحب، قليل من الكلمات الصادقة النابعة من القلب، وبعض المشاعر المغلفة بكلمات الرضا، وفي الأثناء تتردد على مسامعي رائعة فيروز "حبيتك بالصيف.. حبيتك بالشتا"..
فعندما نكتب عن المشاعر لا بُد وأن يكون الحب سيد الموقف، الحب بمفاهيمه المختلفة وجوانبه المتغيرة، ليس الحب الذي تعتقدونه فقط، وليس محدد بين رجل وامرأة ومرتبط بهما فقط، أيعقل إذا أن يكون الحب شيئاً آخر غير الذي يعيشه أي اثنان....؟ نعم بالطبع، فالحب معاملات، والمعاملات يجب أن تقدم بكل ما تمتلكه كلمة حب من معانٍ.
فالمرء عندما يتقاسم الفرح مع غيره، فذاك حب، وعندما يبكي لسعادة أحدهم فليس ذلك سوى حب، وعندما يختار هدية ويسعى لأن تكون بمقامه أيضا هذا حب، وعندما يربت على كتف أحدهم مؤازرة لما أصابه من مشاعر سلبية، فهذا هو جوهر الحب، وعندما يقرأ أحدنا قصة للصغير كي ينام، فهذا من باب الحب.. كل الأعمال والأفعال المرتبطة بالنوايا الطيبة والمشاعر الصادقة هي نتاج الحب.
الحب جزء من المعاملات اليومية، جزء من الحياة، جزء من كل تصرفاتنا النبيلة، فالحب فعل رقي وكل من هو راق سيتعامل به في كل شؤون حياته، فكما تقدم الشيء سيعود لك بنفس الطريقة تماما، فالحب الطريق الممهد لكل الممرات والدروب الوعرة، لكل الأماكن المزدحمة، ولكل الأزمنة التي كانت ذات يوم، ولأخرى لم تخلق بعد، الحب هو المسافة القصيرة لكل رحلة طويلة، لكل مكان نجهله، الحب هو الوسيلة الوحيدة للمعرفة وللبحث ولنظر لكل شيء بعين الممكن وغير المستحيل، كل شيء بالحب قابل لتعويض وقابل للحدوث، لا شيء يقف عند نقطة مُعينة، فالحب أشبه بمحيطات ممتدة لا يمكن لمياهها أن تجف وأرضها تصحر.
دعوا الحب ليكون مقياسًا لتعاملاتكم، للحظاتكم، لنظراتكم، لكل شيء؛ لأننا في زمن لا يمكن أن نضمن أيامه وساعاته ولحظاته، علينا أن نكون معبرين عن كل الكلمات التي تختنق بها حناجرنا للآخر، تصالحوا وعبروا عن مشاعركم فالوقت لا يمكن التكهن به، لا ترحلوا من هذه الحياة وأنتم مسكونون بكلمات ومشاعر لم تسعفكم اللحظات بالبوح بها، أو خجلا من التعبير عنها، ولا تحسبوا الحب فقط بين رجل وامرأة، اخبروا كل من يمر على محطات حياتكم ذات يوم أن شتاء الحياة قارس، وأن حرارة صيفها لا تحتمل، وأنكم الدفء والنسيم لتلك الأيام، احتضنوا آباءكم وأمهاتكم، وأخوتكم، وعيشوا لحظات مع أصدقائكم تذكرون منها لحظات قد تعبرون بها ذات يوم وهم ليسوا بجانبكم، لترددوا أنهم كانوا هنا ذات يوم، وذات مساء، وذات لحظة.
التمسوا الأعذار للآخر بقدر ما تحملونه من حب، تعاملوا بطيبعتكم وحقيقتكم بعيدا عن التصنع، لا تكترثوا لظنون الآخر، فقط كونوا كما أنتم، صادقين مع أنفسكم، وتقابلون ذواتكم بما تقدمونه للآخر من صدق في كل المعاملات الحياتية، لا تدعوا قطار الحياة يمر عليكم دون أن تتوقفوا عند كل راكب تحط رحاله على مدنكم، فكل شخص منهم سينقل لكم حياة بأكملها وستعيشون معه تفاصيل ستتذكرونها ذات يوم، وحتى تسجلون منها ذكريات رائعة وجميلة ومليئة بالحب، عليكم أن تقدموها أيضا بكل أنواع الحب وفنونه.