طالب المقبالي
تمضي الأيام والأسابيع والأشهر والسنوات وتحل الذكريات بحلوها ومرها، أفراحها وأتراحها، فبعضها يمضي وتنسيه الأيام، والبعض الآخر يبقى راسخًا في الأذهان بقدر حجم الحدث، كولادة مولود تتزين الأرجاء بذكرى قدومه، أو فقد عزيز يبقى فقده غصة في القلب لا تنجلي بسهولة.
ففي العاشر من يناير من عام 2020 فُجعت عُمان وشعبها برحيل مُؤسس نهضتها، وقائد مسيرتها، وباني حضارتها وتاريخها الحديث السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- طيب الله ثراه- فحزنت عُمان بأسرها، وحزن معها العالم لفقد أعزَّ الرجال وأنقاهم، فقدٌ ليس كأي فقد، فقدُ قائد ملهم بنى عُمان من الصفر، واعتبره العالم أيقونة السلام، وقد لجأت إليه دول عظمى للوساطة في حل قضايا وخلافات سياسية عظمى صَعُب على خبراء السياسة في العالم حلها؛ حيث أصبحت عُمان قبلة للمتخاصمين، ومنبراً للسلام.
مضت خمسون عامًا منذ أن اعتلى السلطان قابوس عرش الحكم في عُمان حتى وفاته، وما زال خطابه يتردد صداه في آذان من سمعوه وعايشوا ذلك الزمان والذي يبعث في النفوس الأمل بحياة جديدة وسعيدة قادمة تغير من ضنك العيش الذي كان يعيشه المواطن في ذلك العصر، إلى فسحة العيش وتطور الحياة بشتى أنواعها، فهناك كان الوعد حين قال رحمه الله: "أيها الشعب.. سأعمل بأسرع ما يمكن لِجَعْلِكُمْ تعيشون سُّعَدَاء لمستقبل أفضل"، ويؤكد أن التعاون والتكاتف مطلوب من الجميع من أجل تحقيق هذا الهدف، فقال :"وعلى كل واحد منكم المساعدة في هذا الواجب". وبالفعل فقد التف الشعب مع القائد وتم بناءَ عُمان بسواعد وهمم رجالها تحت راية جلالته، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه قبل رحيله عن هذه الدنيا.
ونستخلص من هذا الخطاب أن السلطان قابوس- رحمه الله- ركز في مطلع حديثه على سعادة الشعب ورفاهيته لأنه يُدرك أن الشعب كان يعيش في ضنك من العيش، وكانت الحياة صعبة، والموارد شحيحة إن لم تكن معدومة، وكان مُعظم العمانيين يعملون خارج الوطن من أجل توفير لقمة العيش، والبعض منهم هاجر إلى الخارج بلا عودة. والسلطان قابوس- طيب الله ثراه- لم ينكر أن عُمان كانت دولة قوية حين قال: "كان وطننا في الماضي ذا شهرة وقوة وإن عملنا باتحاد وتعاون فسنُعيد ماضينا مرة أخرى وسيكون لنا المحل المرموق في العالم العربي". وقد وعد بأن نستعيد ماضينا، فكان هذا هو الوعد، إلا أن عُمان بقيادته الحكيمة، استعادت مكانتها في العالم بأسره وليس في العالم العربي فحسب.
هذه ذكرى من الذكريات المؤلمة التي تعتصر القلب لفقد قائدٍ بنى وأسس هذا الوطن الغالي علينا.
أما الذكرى الثانية والتي تجبر مصابنا فتتمثل في تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله- مقاليد الحكم في البلاد والبدء في مسيرة جديدة وعهد متجدد. ونحن نعيش ذكراها العطرة في هذه الأيام، وبدأنا في جني ثمارها منذ أيامها الأولى رغم المنغصات التي رافقت بداية تلك المسيرة والتي لا يمكن نسيانها أو تجاهلها، وأولها الركود الاقتصادي الذي شهده العالم منذ النصف الثاني من عام 2019، وانخفاض أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها منذ عقود، أعقبتها جائحة كورونا التي أتت على الأخضر واليابس، وقوضت العديد من الخطط، وانهارت بسببها دول كثيرة، لكن رغم ذلك عُمان ماضية بحنكة وفكر جلالته المستنير، وبسواعد رجالها، وهي ماضية نحو مستقبل واعد تضيء طريقه رؤية "عُمان 2040" التي أشرف على وضع لبناتها الأولى جلالته حفظه الله.
إن عمان بخير، والشعب العماني بخير، وكل من يعيش على هذه الأرض الطيبة بخير بإذن الله تعالى.