مشاعر خارج الميزان!

 

عبدالله الفارسي

قرأتُ أكثر من قصة، وأخبرني أكثر من شخص عن هذه القضية القلبية، وأعتقد أننا كلنا نعانيها ومررنا بها.

يقول أحدهم مُفضفضًا لي: إنني أعزُّ شخصًا ما، معزة كبيرة، وأكن له حبًا عميقًا، وأضمر له احترامًا عظيمًا، لكنه لا يُبادلني نفس المشاعر؛ بل لا يبادلني حتى نصف تلك المشاعر ولا حتى ربعها. ويُكمل: الغريب أنني حاولت جاهدًا أن أنفض قلبي من هذا الحب، وأغسله، وأجففه، وأنثره في الهواء والريح، ولكن لم أستطع إلى ذلك سبيلا، هو حب عالق ومغروس لا يرضى أن يتحرك أو يتزحزح. انتهى، كلام الرجل.

لا أظن أن هناك من لم يعش، ويعيش مثل هذه التجربة المشاعرية، فقضية المشاعر قضية مُعقدة جدًا؛ بل هي من أعقد قضايا الإنسان، والقلوب البشرية قلوب غريبة عجيبة لا تخضع لقانون ولا ترتبط بمبدأ أو نظرية. وهناك أناس حولنا نكن لهم الحب والتقدير المفرط، ولا يكنون لنا ولو جزءا يسيرا من مقدار ما نكنه لهم من القيمة والمعزة، والحب؛ بل يعاملوننا بقسوة كبيرة في غالب الأحيان، وهذا ما يسمى بعبث القلوب، وسخف المشاعر. وهناك من لا نحبهم، ولا نلتفت لهم، ونحن نعلم مقدار حبهم لنا، وحجم عطفهم وتعاطفهم معنا.

فلماذا هذه الازدواجية في المشاعر؟ لماذا هذا التخبط في القلوب؟ لماذا هذه الفوضى والترنحات في الأفئدة؟

ليست هناك إجابة على هذه التساؤلات، الإجابة صعبة جدا، إن لم تكن مستحيلة.

القلوب ملك الرحمن، هي بين أصابعه يقلبها كيف يشاء ومتى يشاء، وأنا، وأنت، وهو، وهي، وهم، ونحن، لا نستطيع أن نحب من نشاء، ونكره من نشاء، هناك أمر سماوي بالحب أو الكره، هناك تحكم رباني في القلب، هناك فرض إجباري على المشاعر.

أخبرني صديق يقول: تزوجت من زوجة جميلة جدًا، طيبة جدًا، مُطيعة جدًا، تحبني حبًا جمًا، كاملة في كل شيء. وبعد سبع سنوات من زواجنا، وبعد ثمار الحب وأربعة من الأبناء الرائعين، أحببت فتاة كانت زميلتي في العمل، فتاة عادية جدًا، لا تملك جمال زوجتي، ولا رشاقة جسدها ولا روعة قلبها ولا دماثة خلقها، فقط، أحببتها، وتعلقت بها، وانجررت خلفها، وتزوجتها، وفقدت زوجتي الأولى، وكسرت قلبها الجميل العظيم.

وما زلت أحب هذه المرأة الثانية، ومُتعلق بها رغم أنها لا تبادلني نفس المشاعر الجياشة التي انكوي بها ليل نهار،  وما زالت زوجتي الأولى تحبني ويلهج فؤداها باسمي رغم بعدها عني وبعدي عنها!!

كم هي سخيفة هذه القلوب؟ كم هي حمقاء تلك المشاعر؟!

أعتقد أنَّ هذه المشاعر التي نصطدم بها في طرقات الحياة هي أقدار مزروعة في طريقنا، ولا مناص من الاصطدام بها، والارتطام بجدرانها وخرساناتها، إنه "أكشن" الحياة المرير العذب اللاذع، الذي يمنح حياتنا طعمها الحارق، ونكهتها اللاسعة. ليس هناك شيء يحدث في هذا الكون الهائل دون كتاب سماوي، مكتوب منذ الأزل، إن ما أصابك لم يكن ليُصيبك، وإن ما أصابك من الحب والكراهيات، من الاحترام، والعداوات، كلها نزلت في سلة مغلفة من السماء مسجلة باسمك، ولا يستلمها أحدٌ غيرك.

كل منِّا يستلم سلته السماوية المُغلقة، ويفتحها بنفسه، ويعيش ما قدَّرته السماء له، يذق حلاوتها، ويتجرع مراراتها كاملة غير منقوصة، جرعة جرعة، حتى الجرعة الأخيرة.

المشاعر البشرية التي نصطدم بها خلال عمرنا القصير هي أرزاق محددة مكتوبة لنا وعلينا، إنها تدخل ضمن بند الرزق وقائمة القدر والنصيب.

إنَّ الزوجة والمال والبنون، والصحة والمرض، إضافة إلى مشاعر الحب والكراهية؛ كلها مكاتيب سماوية، وأرزاق إلهية كتبت في (جباهنا/ جبيننا) منذ الشهر الرابع من أعمارنا، ونحن عوالق في أرحام أمهاتنا.

وكما يقولون: اللي انكتب على الجبين لازم تشوفه العين.

فارضوا بنصيبكم من الحب والمودات، واحتملوا قسطكم من البغض والعداوات والكراهيات، وكل شيء سينتهي، فرحلتنا قصيرة جدًا.

وهذا الوقت حتمًا سيمضي، ونحن ومشاعرنا سنختفي عاجلًا أم آجلًا!