المقاطعة الاستهلاكية.. بين الفكرة والتنفيذ

 

ناصر بن سلطان العموري

abusultan73@gmail.com

 

موضوع هذا المقال قديم متجدد، كما يقال، سبق وأن طرحنا مقالين سابقين عن نفس الموضوع نظرا لأهميته خصوصا في الوقت الحالي عصر الضرائب وتقلب الأسعار ومؤخرا ظهر هاشتاج (وسم) تداول بين المغردين في السلطنة عبر منصة (Twitter) بعنوان "#حملة_خلوه_يفسد"، وسبب ظهوره وإرهاصاته كثيرة ومتعددة؛ بل وأصبح نافذة إعلانية لكل ما يشتبه أنه غالٍ وبه نكهة استغلال بنظر المستهلكين، وهذا بطبيعية الحال ما هو إلا نتيجة للأوضاع الاقتصادية العالمية المتقلبة، وما صاحبها من غلاء للأسعار على المستوى العالمي واستغلال بعض التجار من ضعاف النفوس هذه الأزمة في زيادة سعر هذا المنتج أو ذاك.

تُعرف المقاطعة الاستهلاكية على أنها "الامتناع عن شراء أو التعامل مع منتجات يرى المستهلك أنها ترتبط أو تدعم ممارسات غير أخلاقية، وهذا القرار يتم اتخاذه من قبل الفرد عند كل شراء، وهو يعكس مدى ارتباطه وإيمانه بمبادئه وأخلاقه"، وهناك تعريف أكثر وضوحاً للدكتور محمد عبيدات حينما عرّف المقاطعة الاستهلاكية بأنها "الامتناع عن شراء واستهلاك سلعة أو خدمة لفترة زمنية محدودة بسبب عدم قبول المستهلك لسعرها أو نوعيتها، وذلك باستخدام وسائل سلمية حضارية لا تقوم على تهييج المستهلكين وإنما على إمدادهم بالبيانات والمعلومات الصحيحة عن موضوع المقاطعة والذي يتم من خلال الدراسات المسبقة عن موضوع المشكلة".

ومواجهة الغلاء ظهر منذ فجر الإسلام ونستشهد بتلك القصة التي جرت في زمن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب عندما قام تجار اللحم برفع سعره، فأتى الناس إلى الفاروق يطلبون منه التدخل لخفض السعر، فقالوا له: غلا اللحم فسعره لنا، قال لهم: أرخصوه أنتم، فقالوا: وكيف نرخصه وليس في أيدينا يا أمير المؤمنين؟ قال: اتركوه لهم فترك النَّاس شراء اللحم أيامًا، وبعد أن فسد اللحم لدى القصابين، اضطر هؤلاء إلى خفض سعره، وهنا رسم عمر للناس نظرية اقتصادية بسيطة، وكان يستطيع أن يأمر بخفض الأسعار، ولكنه أراد تعليمهم الطريقة التي يمكنهم أن يقضوا فيها على الأسعار المرتفعة وهي التي تعرف بالمقاطعة في زمننا هذا، وحين غلا الزبيب بمكة كتب أهلها إلى علي بن أبي طالب بالكوفة أن الزبيب قد غلا علينا، فكتب أن أرخصوه بالتمر. أي استبدلوه بشراء التمر الذي كان متوفرًا في الحجاز وأسعاره رخيصة فيقل الطلب على الزبيب فيرخص. وإن لم يرخص فالتمر خير بديل.

 

ولكي تقوم حملة المقاطعة بالوجه الأمثل وتؤدي دورها على أكمل وجه، فلا يكفي أن يظهر هذا الهاشتاج أو ذاك، نعم ربما سيكون أشبه بتحريك المياه الراكدة قليلا، ثم سيعود الوضع لسابق عهده من السكون، وكأن شيئًا لم يكن، وعند القيام بالمقاطعة لا بُد من الاعتماد على الدور الحيوي والمهم الذي يجب أن تلعبه جمعية حماية المستهلك، وذلك من خلال قيامها بدور المراقب للأسعار ونوعية وجودة السلع وأسلوب تقديم الخدمة، ومدى ما تلاحظه من خلل أو ارتفاع لسعر سلعة ما، ثم تقوم بعدها الجمعية بدراسة ميدانية للأسواق للتأكد من مدى مصداقية أسباب قيام حملة المقاطعة، وبعد التأكد من صدق المعلومات يتم بعدها وضع خطة للمقاطعة وتحديد أهدافها ووسائل محددة لتنفيذها مع أهمية إيجاد حلفاء لضمان نجاح الحملة، ومنهم بطبيعة الحال الإعلام المقروء وكتاب الأعمدة الصحفية والأدباء وجمعيات المرأة، وذلك لما لها من نشاط وتأثير في هذا المجال، ومن ثم يبدأ في تطبيق خطة المقاطعة بالتعاون مع المستهلكين والحلفاء المحليين، حيث يتم بعدها تقييم الخطة لمعرفة ما إذا كانت قد حققت النجاح المرجو منها وماهي أسباب النجاح أو الإخفاق إن وجدت.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما مدى قدرة جمعية حماية المستهلك في السلطنة على قيادة حملات المقاطعة في حالة ملاحظتها لارتفاع أسعار سلعة أساسية لأسباب غير مُبررة ولا منطقية؟ وهي محصورة في قلة الدعم اللوجستي والمالي؛ بل وحتى الشعبي لا سيما في ظل عدم نشاطها في المحافظات الأخرى والسبب عدم وجود أفرع لها على مستوى السلطنة.

على المستوى الخليجي تعد من أشهر حملات المقاطعة ما حدث في المملكة العربية السعودية والتي تملك أكبر سوق استهلاكي على المستوى الخليجي، حينما انطلقت عبر موقع تويتر مقاطعة منتجات الحليب الطازج والألبان ومشتقاتها لارتفاع أسعارها، مما حدا بالشركات المصنعة لخفض أسعارها. وبعد المقاطعة أصدرت وزارة التجارة والصناعة السعودية قرارا بإخضاع أسعار الحليب الطازج والألبان لرقابة الوزارة. وعلى المستوى العربي تعد المملكة الأردنية الهاشمية من أقدم الدول العربية في مجال المقاطعة ولها تاريخ حافل منذ تسعينات القرن الماضي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر حملة مقاطعة شراء واستهلاك القهوة عام 1997م وحملة مقاطعة شراء واستهلاك اللحوم الحمراء سواء المحلية أو المستوردة والتي جرت عام 2009م، وعلى المستوى العالمي من منِّا لم يسمع بحملة الشعب الأرجنتيني حينما تفاجأ ذات يوم بارتفاع أسعار البيض فما كان منه إلا أن قاطع شراء البيض بشدة، لدرجة أنَّ الشركة أرجعت السعر السابق ولكن المستهلكين تمسكوا بموقف المُقاطعة ما حدا بالشركة إلى خفض سعر البيض بفارق كبير عن السابق.  وهذا درس من دروس نماذج المقاطعة الاستهلاكية.

والسؤال الأهم هنا: هل سيكون لدى المستهلكين في السلطنة النفس الطويل والتعاضد الكبير  لمقاطعة سلعة ما؟! وما مدى تجاوبهم وتعاونهم مع حملة المقاطعة؟ أو أن الوضع سيكون أشبه بزوبعة في فنجان؟