الخبز قبل الحلم أحيانًا

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

لا يهم المواطن العادي كم ارتفع سعر النفط، ولا كم انخفض، ولا يهمه تفاصيل الخطة الخمسية والعشرية، ولا الخطط بعيدة المدى والمتوسطة المسافة، ولا يهمه الموقع الجغرافي للبلد، ولا التاريخ العريق للأمة، ولا يهمه مُؤشرات التجارة العالمية، ولا تصنيفات المنظمات الدولية، ولا يسأل كيف سيتم صرف الميزانية، وأوجه إنفاقها، لا يهمه تفاصيل كل ذلك؛ بل يهمه كيف يعيش يومه قبل غده؟ وكيف يُعيل عياله، وكيف يجلب رزقه؟ فهو يرتعد خوفًا إن تمَّ المساس براتبه، ويشعر بالغيظ كلما جاءته فواتير غير مبررة للكهرباء والمياه، وخفق قلبه رعبًا كلما ذُكر فرض ضريبة جديدة، لا يعلم سرها، ولا جهرها، ويشعر بالخجل أمام ابنه الخريج الذي لم يجد وظيفةً.

المواطن لا يهمه مستقبل الأجيال المائة التي ستلي جيله، إن لم يهنأ هو ذاته بالعيش في يومه، ولم يتنعم بخيرات بلاده، وإن لم يرَ في الأفق غير كثير من التنبؤات، بينما يغوص في الواقع داخل أطنان من المشكلات والمعضلات، والمصروفات التي لا يعرف منتهاها؛ فالمواطن تهمه النتائج النهائية، وليس التفاصيل والخطط والأرقام التي لا يفقهها، ولا يفهم حقيقتها، يهمه أن يعمل ولده في مكان يليق به كمُواطن، ولا يهمه أرقام وزارة العمل إن لم يكن هو عددًا حقيقيًا وواقعيًا فيها، ولا يهمه مؤشرات وزارة التنمية الاجتماعية إن لم يلمس هو تلك التنمية على أرض الواقع، ولا يهمه نشرات الأخبار إن لم يكن ما يسمعه وما يراه هو ذاته الذي يتلقاه في وسائل الإعلام، ولا يلقي بالاً لترتيب الدولة- عالميًا أو إقليميًا- في تصنيف الصحة أو السياحة أو التعليم إن كان ما يعيشه مغايرًا لما يقرأه، وما يتم نشره.

فحين يرتفع سعر الخبز فذلك هو ما يُوجع المواطن، وحين يزيد سعر السكر والملح والعيش فذلك ما يرعبه، وحين تهبط مؤشرات التعليم فذلك ما يحبطه، وحين يُرفع الدعم عن المحروقات فذلك ما يؤلمه، وحين تتدهور الخدمات الصحية- لا قدّر الله- فذلك ما يقلقه، وحين يخذله عضو مجلس الشورى والدولة، فذلك ما يُفقده الثقة في المنظومة البرلمانية، وحين يسمع تصريحات المسؤولين لا تنطق عن واقع، فذلك ما يجعل الفجوة كبيرة بينه وبين الحكومة، وحين لا يجد من يسمعه أو يُجيب على تساؤلاته وصرخاته فذلك ما يجعل منه مجرد رقم هامشي وغير مؤثر في عملية التنمية.

المواطن ليس محللًا سياسيًا أو اقتصاديًا، وليس خبيرًا استراتيجيًا، ولا قارئ كفٍ أو فنجان؛ بل هو مواطن مثله مثل أي مواطن في هذا العالم يحلم بحياة أفضل في بلده، وعلى تراب وطنه، لا تعنيه الأرقام ولا التنبؤات ولا التخيلات إن لم يكن هو جزءًا أصيلًا منها، وأنه عنصر فاعل فيها، وأنها تعنيه هو وتعني وتعتني بأولاده، وتسعى لرفاهيته اليوم قبل الغد، في حياته وليس بعد مماته، فهو لم يضع الخطط، ولم يُستشر في الاستراتيجيات، ولم يؤخذ رأيه في البرامج البعيدة ولا القريبة المدى، لذا فكل ما يهمه- أولًا وأخيرًا- هو الوصول إلى نتائج ملموسة ومعاشة وواقعية، يحسها، ويعيشها، ويتنفسها، وهو لا يملك ذلك النفس الطويل الذي تمتلكه الحكومة، والذي قد يضعه بين سندان الخُطط، ومطرقة الاستراتيجيات كي تصل- به أو بدونه- إلى نتائج قد تتحقق بعد عشرات أو مئات السنين، دون أن يتمتع "مواطن اليوم" بآثارها، وبرفاهيتها، وأحلامها البعيدة.

إنِّه مجرد مواطن يريد أن يعيش يومه ببساطة ودون تعقيدات لا يفهمها، مواطن ينعم بالرفاهية التي يحلم بها، والتي ما زال ينتظر بوادرها، ويعلل النفس بغدٍ أفضل.