أن تكتب نهايتك!

 

مدرين المكتومية

نعيش في هذه الحياة نبحث فيها عن بدايات تتلقفنا، بدايات تأخذنا نحو قصص وحكايات كثيرة، بدايات تُسعدنا وتُواصل معنا مشوار الألف ميل، جميعنا عندما يُقرر الوقوف للحظة، إما أنه يتوقف ليُعيد حساباته أو ربما لأنه شعر للحظة أن الطريق ليس طريقه، وأنه سلك المسلك الخاطئ لطموحاته، عندها يُعيد البحث عن البداية التي تتناسب مع توجهاته وخطواته.

الواقع يقول إنَّ كل بداية نهاية، وكل نهاية بداية، وذلك نابع من تناقضات الحياة التي تحثنا على التفكر في هذا الوجود، الذي يجب أن نوسع له مداركنا. وليس ثمَّة من قاعدة ثابتة نمضي عليها في مسيرتنا؛ إذ إن كل شيء قابل للتغيير، والجميع سيرحل يومًا ما، لا أحد يستقر على حالٍ، لكن الأسوأ أن تكون تصرفات الشخص هي ختم النهاية لمسيرته، وعلى المرء حينئذ أن يُواجه مخاوفه بشجاعة وجرأة، وألا يخشى الحياة، ولا تغيراتها ولا تقلباتها. شخصيًا أنتهجُ نهجًا مُختلفًا، يستند على توقع كل شيء، وقد قررتُ ألا أنكسر أمام أي تحدٍ، ولا أخشى من أي مجهول، لأنني في نهاية المطاف اتخذ القرارات التي أؤمن أنها في صالحي وفقًا للمُعطيات المتاحة لي.

لكن في المُقابل، يجب أن نؤمن بأنَّ هناك نهايات نحن من نكتب سطورها الأخيرة، وأضرب مثالًا هنا بمن يقوده طموحه ورغبته في التشبث بما وصل إليه في مسيرته المهنية أو حتى في حياته، أن يتخذ قرارات تكون السبب في نهايته، وأشيرُ هنا إلى مسرحية "ماكبث" للأديب الإنجليزي الأشهر ويليام شكسبير، ذلك القائد العسكري الشجاع المغوار الذي اتبع غوايات الساحرات، وارتكب من الأخطاء ما أوصله إلى القضاء على نفسه. هكذا نحن قد نرتكب أخطاءً تقودنا إلى النهاية التي لم نكن نتوقعها، فقط لأننا وثقنا في غرورنا الشخصي، وأطلقنا العنان لطاقاتنا النفسية أن تسيطر علينا دون أن نُمعن التفكير العميق والحكيم ولو لمرة واحدة. لم نسأل أنفسنا يومًا: هل نحن ماضون على الطريق الصحيح؟ هل نحن على يقين تام بما نقوم به؟ هل هذه الأفعال ستقودنا للوصول إلى ما نطمح إليه حقًا؟ أم أنها فقط تكتب النهاية لطموحاتنا؟!

نعيشُ وسط عالم مُتسارع الخطى، كل شيء فيه يمضي بإيقاع سريع، وكل شيء أيضًا قابل للتغير والتبدُّل، حتى الأيادي التي تمسك أيادينا لربما تتركنا في لحظة ما، حتى المشاعر قد تخوننا في مرحلة ما، والأسرة قد تهجرنا في محطة ما، حتى الوظيفة ربما يخسرها أحدهم نتيجة لمتغيرات الحياة التي لم يحسب حسابها يومًا ما، فيجد نفسه في هاوية الحياة، فقط لأنه لم يُحسن التصرف، أو لربما أن ذلك الإنسان يعتقد أن هناك أيادٍ كثيرة يمكن أن تتلقفه قبل أن يقع، دون أن يعلم أنهم هم من يُساهمون بشكل كبير في إشعال الحرائق، وإن حاول إخمادها!

ولذلك.. أقول: كأيِّ شيء في الحياة حاول أن تكون محايدًا، وأن تقف موقف الحق والعدل أمام الظروف، وألا تتخلى عن نفسك، وأحمها من الغاويات، ودع عنك كل ما يدور في رأسك من مخاوف، لأننا لو التفتنا إلى الجدليات وإن سمحنا لأنفسنا أن نُبرر كل فعل نرتكبه، لن ننتهي؛ بل سنتيح الفرصة للآخر أن يرى أخطاءنا، وقد تكون هذه النهاية. صحيح أن النهايات مؤلمة، لكنها في كثير من الأحيان حلٌ، ومخرج لكل مأزق.. حل للتخلص من الضغوط التي قد تواجهنا، ولكل ما سيجعلنا يومًا ما أمام الآخر نبدو صغار الحجم وربما صغار العقل!

في كثير من الأحيان، يكون التنازل والتراجع عن الموقف سبيل الخلاص، بل ربما يكون رد اعتبار لأنفسنا وذواتنا، فالتمسك بمواقفنا وقراراتنا التي لا تشبهنا أو لا تليق بنا أو قد تقودنا لصراعات، علينا في الحال والفور أن نتركها، حتى لا نوصم بأننا من أهل الباطل، وإن كنَّا على حق!!

وأخيرًا.. النهاية لا تعني الفشل مُطلقًا، بل قد تكون بداية لمرحلة جديدة، وحياة أخرى، وتفاصيل أكثر جمالًا كنَّا قد تخلينا عنها في مشوار سعينا وراء الأهداف الذاتية من مال أو سيارة أو وظيفة.. لذلك أقولها لكل من يقرأ هذه السطور، أزيحوا عن أنفسكم متاعب وضعتُم أنفسكم فيها، فالحجرة لم تعد تتسع لكم، وانطلقوا نحو بدايات أخرى تشبهكم، اتركوا كل شيء يمضي لطريقه المُقدّر له، دون محاولة تغيير الأقدار؛ ولنعلم أن ماكبث- رغم قوته- لم يستطع أن يواجه القدر المحتوم، وتعرض لهزيمة نكراء من أضعف شخص كان يتصور أنه قادر على الانتصار عليه!!