مسعود أحمد بيت سعيد
لا نستطيع في مقالة أن نفي الجزائر حقها تجاه القضية الفلسطينية ولعل تجاه كل القضايا العربية وقضية الحرية على الصعيد العالمي.. وإذ حصرنا الدعم الجزائري على الأيام القليلة الماضية سنكتشف كم هي عظيمة بلد الأحرار.
خلال استقبال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نظيره الفلسطيني محمود عباس، أعلن عن دعم الشعب الفلسطيني بمبلغ 100 مليون دولار و300 منحة دراسية، كما دعا لعقد لقاء جامع للفصائل الفلسطينية. وعبر عن أمله في أن تكون القضية الفلسطينية على رأس أولويات القمة العربية المرتقبة في جزائر الثورة. واخيرًا إهداء المنتخب الجزائري، بطل المونديال العربي، كأس البطولة العربية التي اختتمت فعالياتها في الدوحة يوم السبت الماضي لشعب فلسطين. هذه المواقف هزت الوجدان العربي من الخليج العربي إلى المحيط. والمواقف الجزائرية امتداد لمواقفها التاريخية الثابتة من القضية والحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني. وقد أثبتت الجزائر على الدوام انحيازها المطلق للنضال الوطني الفلسطيني، وقال الرئيس الراحل هواري بومدين "إن الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، ولم تكن فلسطين يوماً إلا مظلومة. لم تقع الجزائر في فخ الحياد تجاه الصراع العربي الإسرائيلي والذي تعمل عليه أطراف كثيرة في العالم وجُلهم أعداء فلسطين والأمة العربية من أجل ترسيخه وتسويقه باعتباره يُسهم في توفير مناخات إيجابية في دفع العملية السلمية الوهمية، والتي تعطلت بفعل التعنت الإسرائيلي، والذي يهدف من الأساس لاختراق الصف الفلسطيني والعربي وحلفائهم على الصعيد الدولي.
الكل يعلم مدى النجاحات التي حققها الكيان الصهيوني تحت مظلة العملية السلمية الكاذبة سواء في مجال الاستيطان وقضم الأرض أو في فك العزلة الدولية ناهيك عن التطبيع المجاني مع 4 دول عربية. والحبل على الجرار، تلك هي مكاسب السلام.
الجزائر تُدرك قيمة الحرية فقد قدمت المليون ونصف المليون شهيد في حرب التحرير الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي، وتعرف جيدًا بشاعة الاحتلال وغطرسة المستعمرين، وتعلم يقيناً أن زواله يتطلب "مقاومين وليس مساومين"، كما تُدرك أهمية الوحدة الوطنية على برنامج القواسم المشتركة في مرحلة التحرر الوطني باعتبارها أحد أهم الأسلحة وتدخل في عداد البديهيات. لذلك، فرصة نجاح حوار ترعاه الجزائر ممكنة، فالأمل كبير في دور جزائري متقدم يُسهم في بناء استراتيجية نضالية وطنية جادة. لقد أُجريت حوارات فلسطينية كثيرة، وأنُجزت برامج عدة ووقعت عليها جميع فصائل الثورة، لكنها لم تُنفذ من قبل طرفي الصراع الداخلي؛ فتح وحماس، المحميان بالمال العربي والإقليمي وشروطه، وظلت تُهم التعطيل مُتبادلة. لا شك أن السلطتين في رام الله وغزة، نمت لهما مصالح كبرى من الصعوبة التنازل عنها بيُسر. ولا يخفي على أحد أن الصراع بينهما ليس حول البرنامج السياسي والنضالي وإنما صراع مصالح ومكاسب مادية وسياسية؛ فالكل من الناحية العملية يلتزم استراتيجية المقاومة الشعبية وبمطلب الدولة بحدود يونيو 1967، ولا يمارس كفاحًا مسلحًا. وإذا لم تنهض القوة الثالثة في الساحة الفلسطينية وتعمل على لملمة أوضاعها ومغادرة التذيل لهذا الطرف أو ذاك ستبقى الأمور على حالها رغم جهد المخلصين.
يحز في النفس كثيرًا أن تعجز القوى اليسارية الفلسطينية حتى هذه اللحظة عن بلورة موقف سياسي موحد. وإنه لمن المخجل أن تجد لنفسها تقاطعات مع هذا الطرف أو ذاك ولا يتسع صدرها وعقلها لبرنامج القواسم المشتركة فيما بينها. ورغم التعارضات يبقى المشترك أوسع بكثير، لكننا لن نفقد الأمل في وحدة القوى التقدمية الفلسطينية والعربية التي يناديها التاريخ بأعلى صوت ويتردد صداه في كل زاوية من أجزاء أمتنا العربية، بينما هي مستمتعة بدور الكومبارس لليمين بشقيه العلماني والديني، ليس في فلسطين فقط؛ بل على امتداد الوطن العربي، وذلك رغم تاريخها المجيد ونضالها وتضحياتها؛ بل وإمكاناتها الفكرية والسياسية والإعلامية، وفي ظل تحولات كبرى تلعب فيها الكلمة الأمينة دورًا مؤثرًا لا يقل أهمية عن الطلقة الشجاعة.