بَروةٌ مُستعجلة

د. حميد بن مهنا المعمري

halmamaree@gmail.com

"البَرْوَة"، في اللهجة العُمانية: كتاب أو خطاب رسمي من الوالي إلى المدعوّين للمثول بين يديه، وعند أصحاب المعاجم لا يبعد كثيرًا عن هذا المعنى؛ فمن معانيها تبرئة الذمة كما في اللسان، لابن منظور(711هـ).

وهذه البروة أبعث بها إلى المعنيين في وزارة التربية والتعليم الموقرة؛ فمنذ أيامٍ انضممت بحسن ظن الأخوة المخلصين لهذا الوطن، إلى تقييم أو تحكيم نشاط ثقافي على مستوى الولاية، وكانت مجموعة الأعمال التي تقدّم بها الطلبة أكثر من 40 عملًا، الشاهد الأول في الموضوع أنّ جُلّ الأعمال بنسبة 90% منسوبة للطالبات، وفي هذه العُجالة سأضرب صفحًا عن هذا الجانب. والشاهد الثاني في ذات الموضوع وهو الأهم والأدهى والأمَرّ، سرقات الطلبة في وضح النهار من مُحرك البحث العالمي "جوجل"، بطريقة فاضحة، على الرغم من وضوح شروط النشاط الثقافي والذي ينص في إحداها على "أن يكون من إبداع الطالب نفسه".

وعندي يقينٌ أنَّ أي ظاهرة تطفو رائحتها على السطح، من ورائها أسباب علمها من علمها، وجهلها من جهلها، وصحيح كذلك أنّ السرقات الأدبية معروفة منذ القدم، ولكنها كانت سرقات في عتمة الليل لبيت أو بيتين من الشعر، يدسها الشاعر في قصيدته، أو سرقة للمعاني المسبوق إليها، أما سرقات زماننا ففي وضح النهار، وسرقات بالأطنان، لو وزعتها على أهل بلدة لأدخلتهم جميعا السجن أو الحبس أو الجلوس وراء القضبان.

من هنا أيقنت أنّ ثمّة أسباب وراء هذه الظاهرة الخطيرة، ومن أبرزها الأنشطة غير الصفية التي يُكَلَّف بها الطلاب في صفوفهم الدنيا، والتي لا تتناسب، لا مع قدراتهم، ولا حتى مع أعمارهم؛ فيقوم الوالدان أحدهما أو كلاهما بعمل هذا المشروع أو ذاك البحث إما باجتهاده أو بالسطو عليه من مُحرك جوجل، والطالب حينها، يسمع ويرى، وليس له من بحثه أو نشاطه سوى إلصاق النشاط باسمه زورًا وبُهتانًا، من هنا تعلّم الطالب الطريقة السهلة التي يفزع إليها، عند الشدائد والكُرَب، وبدأت تنمو شيئًا فشيئًا حتى جاء الوقت لتطبيقها فعليًا في مثل هذه المسابقات والمناشط الإبداعية وكان ما كان من السرقات المكشوفة.

لكن هل انتهى الأمر إلى هذا الحدّ؟ الجواب: لا. ثم ماذا؟ ثم إنه علينا أن نسأل المسؤولين إلى متى هذه المُمارسات الخاطئة في مدارسنا، خاصة في مدارس الحلقة الأولى من تكليف الطلبة بأنشطة لا حول لهم ولاقوة بها؟ ثم ماذا؟ ثم هل ثمّةَ توجه لإيجاد مادة تُعنى بتدريس منهجية البحث أو كيفية إعداد التقارير والبحوث؛ لأن فاقد الشيء لا يُعطيه؛ فكيف نطالب الطلبة ببحوث وتقارير ونحن لم نمكنهم في هذا الجانب المهم؟! ثم ماذا؟ ثم بعدها ثمات ولكن نكتفي بهذا؛ فحسبنا من القلادة ما أحاط بالعنق، ومن لم ينتفع بقليل الحكمة ضره كثيرها.