مقص الرقيب

محمد بن حمد البادي

لا شك أنَّ من أبرز المقاييس التي يقاس بها تقدم الأمم والشعوب، المساحة الممنوحة للتعبير عن حرية الرأي وعدم التضييق على الآخرين أو مصادرة أفكارهم أو فرض آراء عليهم، وقد أكد على ذلك رمز عُمان الخالد السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- طيب الله ثراه- في أحد خطاباته التي قال فيها: "لقد كفلت قوانين الدولة وأنظمتها لكل عُماني حرية التعبير عن رأيه والمشاركة بأفكاره البناءة في تعزيز مسيرة التطور التي تشهدها البلاد في شتى الميادين ونحن نؤمن دائماً بأهمية تعدد الآراء والأفكار وعدم مصادرة الفكر لأنَّ في ذلك دليل على قوة المجتمع وعلى قدرته على الاستفادة من هذه الآراء والأفكار بما يخدم تطلعاته نحو حياةٍ أفضل، غير أن حرية التعبير لا يجب بحال من الأحوال قيام أي طرف باحتكار الرأي ولا مصادرة حرية الآخرين في التعبير عن آرائهم فذلك ليس من الديموقراطية ولا في الشرع في شيء".

ويسير على هذا النهج جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- الذي يحث دائماً على منح كل عُماني الحق في التعبير عن آرائه بشكل معتدل دون إفراطٍ أو تفريط.

وفي هذه الأيام يدور الحديث بكثافة غير معهودة عن حرية التعبير عن الرأي ليس بين المثقفين والكتاب والأدباء فحسب؛ بل امتد إلى كل المجالس على اختلاف أفكار وانتماءات مرتاديها، وارتفع الصوت عالياً هذه المرة في أعقاب القرار الذي صدر من وزارة الإعلام في الأيام الفائتة، والخاص بإيقاف الإعلامية خلود العلوية عن العمل؛ حيث يرى البعض أنَّ هذا القرار مجحفٌ في حقها؛ لم يستند على أسباب واضحة تستدعي الإيقاف عن العمل، أو مُخالفات جلية وقعت فيها الإعلامية من خلال برنامجها "كل الأسئلة".

يجب أن نكون قادرين على اتخاذ القرار بثقة ومسؤولية دون تردد وارتجاف من أجل المصلحة العامة للوطن وتحقيقاً لأهداف رؤية "عُمان 2040"؛ لذلك فنحن نريد إعلامًا يتميز بشفافية في التعامل مع هكذا مواقف، بعيداً عن الضبابية، نحتاج إلى إعلام المبادرة والتصميم على الإجادة الإعلامية الحقيقية والإبداع المتجدد.

نحتاج إعلامًا يرتقي بأفكار صانعي قرارته وواضعي أهدافه، ويمنح الشارع حرية التعبير عن الرأي، مبتعدًا عن مبدأ التضييق على الأصوات التي تمتلك جرأة الحديث عن هموم الوطن وعن إخفاقات بعض المسؤولين في إدارة شؤون المواطن.

نحتاج إلى إعلام يتلقى رسائل النقد برحابة صدر، ويُساعد على إيجاد الحلول المناسبة لها، لا أن يكون إعلامًا صداميًا أو باعثًا للفوضوية والعشوائية في التعاطي مع الأحداث.

نحتاج إعلامًا يسعى إلى تطوير التشريع الإعلامي؛ بما يتواءم مع التطور الإعلامي العالمي ليتمكن من اتخاذ قرارات منطقية وعقلانية تحافظ على توجهات وسياسات المنظومة الإعلامية بالسلطنة، بعيدًا عن الارتجالية أو الفردية، وبعيدًا عن الرؤى الأحادية التي تفرض وصايتها على ما يجب أن يُقال أو يُكتب أو يُنشر.

نحتاج إعلامًا متعدد الرؤى والفكر يؤدي دوره في خدمة الوطن والمواطن؛ بعيدًا عن الإنغلاق على الذات في ظل ما يشهده العالم من متغيرات إعلامية متسارعة عابرة للحدود لا يمكن إيقافها أو التصدي لها، فمن لا يستطع استيعاب المتغيرات الإعلامية العالمية ويُواكب تطورها المستمر يصيبه الجمود ويطغى عليه التخلف الإعلامي.

إننا نحتاج إعلامًا يضمن حرية التعبير عن الرأي ويفتح المجال للإعلام الخاص لأن يقوم بدوره كشريك أساسي في تطوير المنظومة الوطنية، وإتاحة مساحة كافية للإعلاميين لتطوير ذواتهم وصقل مواهبهم، ومساعدتهم للعمل في بيئة مهنية صحية، تحترم افكارهم ورؤاهم المبدعة ووطنيتهم المخلصة.