لغتي تتشح بالسواد في يوم عرسها

 

د. حميد بن مهنا المعمري

halmamaree@gmail.com

 

لا تتهموني بالتشاؤم من أوَّل وهلة؛ فلست متشائما ولا مُتذمرا، بل مُحِبا غيورًا على لغة القرآن الكريم، وسقطات ألسنتنا، ومزالق أقلامنا تزلزل كيان هذا الطود العظيم وتقض مضجع علمائها الأبرار حتى في قبورهم، وقد بلغ من شدة غيرة أحدهم أنّه قال: "والله لأنْ أُهجى بالعربية أحبّ إليّ من أنْ أُمْدَح بالفارسية"، وأحدهم يشتهي أنْ يكوي يد مَن يكتب (إذًا) هكذا بالألف؛ فإذا كان حالهم هذا مع "إذن" وهو ما تتسع له رقعة العربية ويُتسامح فيه؛ فكيف بهم لو سمعوا سقطات ألسنتنا وشاهدوا مزالق أقلامنا؟! لا ريب أنهم سيدفنون رؤسهم غيظًا وكمدًا وحَنَقًا مما جنينا، هذه الغيرة التي يضطرم سعيرها في صدورهم من خلال هذه النصوص وغيرها من النصوص التي ستتوالى في قادم أسطر هذه المقالة والتي ينبعث منها رائحة الكي، الشاهد فيها الغيرة التي ليس لها حدود على حياض هذه اللغة وحُرماتها، وقد مَنّ الله على هذه اللغة بالقُدسية؛ فقد استمدت قداستها من قداسة هذا الدين العظيم؛ لأنها وعاؤه الذي حواه لفظا ومعنى، حتى بلغت محبة المسلمين من غير العرب للغة العربية أنّهم إذا وجدوا في طرقاتهم ونواديهم صفحات ممزقة مرمية على الأرض مكتوب فيها بحروف عربية حملوها واحتفظوا بها، تعظيماً لهذه اللغة.

لكننا لو نزلنا إلى واقعنا، واقع طلبة المدارس، لرأينا عجبا عُجابا، ولَطرحنا سؤالا ليس له جوابٌ عندنا، وهو: من المسؤول عن هذه المأساة الحقيقية؟!!

إننا نعيش غربة تزداد يومًا بعد يوم عن لغتنا، ورمزٍ أصيل من رموز هُويتنا؛ فهل سنقف في وجه هذه الغُربة بوسائلنا الفتّاكة، كغرس الغيرة في قلوبهم، وربطها بدينهم، وهويتهم، ووطنيتهم اللغوية، وتشجيعهم على الاعتزاز بلغتهم والافتخار بها؟ لا ريب أنّ هذه الغربة ستتلاشى ويحل محلها المودة والمحبة والانهماك في تعلمها، والانكباب على الكرع من معينها الصافي، والرتع في حياضها الواسع.

ومما يُسْتبشر به، ويُثلج صدور الغيورين على حمى هذه العربية، هذا الاحتفاء الرسمي الواسع من جميع المؤسسات الرسمية للدولة، هذا الاحتفاء وذلك الاحتفال من هذه المؤسسات أو تلك، يُنْبيء عن اهتمام قادم في معالجة التحديات التي أضعفت الوازع اللغوي عند الطلبة، ويُعطي كذلك مؤشرا على إدراك المعنيين بالأمر، الأهمية اللغوية في التحصيل الدراسي للطلبة؛ لأنّ ازدياد الحصيلة اللغوية عند الطلبة وتميزهم يُلْقي بظلاله على تفوّق الطلبة في باقي المواد الدراسية؛ ذلك لأن تمكّن الطالب في لغته قراءة وكتابة، يُساعده ذلك على فهمه للأسئلة ومن ثَمَّ القدرة على الإجابة، والعكس صحيح تماما؛ فالطالب الضعيف في لغته، لايستطيع قراءة السؤال ولا فهمه بله الجواب عنه.

هذه الوقفة الرسمية والدعوة الصريحة للاحتفاء بيوم اللغة العربية الذي يُصادف 18من ديسمبر من كل عام يُبشر بخير قادم بإذن الله تعالى، وستخلع اللغة العربية ذلك الوشاح الأسود الذي ارتدته في يوم عُرسها إلى الأبد، وسترتدي حُلّة قشيبة في يوم عُرسها.