.. وترجل دعيج الصباح

 

سارة البريكية

sara_albreiki@hotmail.com

 

ترجَّل فارس الكلمة عن جواده في صباح السبت الباكر مودعًا كل قوافي الشعر وأبيات القصيد بلا توديع ولا سابق إنذار فكانت الرسالة الأخيرة لصاحب السُّمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد بالمملكة العربية السعودية.

الشيخ الشاعر كان مملوءًا بالحياة وحب الحياة وشغوفا بالشعر فمنذ الصغر عرفت الشيخ الراحل بأنَّه شاعر جميل وموجود بالساحة الشعرية بقوة وكان شخصا متواضعا يقف مع الجميع وقفة محب ووقفة رجل كريم عندما وصلني خبر رحيله صدمت حيث إنني لم أتوقع ما حدث ولم أتابع ليلتها أحداث تويتر وما حدث من ضجة هناك على الأبيات الجميلة التي أرسلها الشيخ الراحل مرحبا بالأمير القادم لبلده الكويت الشقيق، فقد تابعتُ بعدها بعض التعليقات غير المرضية، فالشاعر خلق حساسًا لا يشبه بقية البشر، مشاعره عظيمة لا يكاد يبوح بها كثيراً، وأحيانا يكتم ما يدور حوله، وهذا الكتمان يسبب له التعب النفسي والجسدي أيضًا. الشاعر مخلوق مرهف الحس متدفق المشاعر لبق في كلامه وحديثه ومتوازن في كل تصرفاته فهو يدرس كل كلمة قبل أن يتلفظ بها، وهكذا كان شاعرنا الراحل بشوش الوجه ابتسامته تراها من بعيد، محباً للخير.

للوهلة الأولى لم أصدق خبر رحيله؛ لأنه لم يخطر ببالي ذلك، فالشيخ دعيج الصباح متدفق العطاء ومتجدد الظهور وطموح، وهو نجل الشيخ خليفة العبد الله الخليفة بن عبد الله الصباح، وجده الأكبر لوالده هو حاكم الكويت الخامس الشيخ عبد الله بن صباح الصباح، ووالدته هي الشيخة لؤلؤة بنت الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير الكويت الثالث عشر. عمل بعد تخرجه دبلوماسيًا في وزارة الخارجية الكويتية، ثم اتجه إلى الكتابة؛ حيث كتب العديد من الأغاني والمسرحيات والمسلسلات، وبوصفه كاتبًا صحفيًا نشرت له مجلات خليجية وعربية عدة، منها: مجلة الأسرة، ومجلة النهضة، ومجلة كلام الناس، ومجلة الجريمة، ومجلة المختلف الكويتية. كما إنه أصبح رئيسًا فخريًا للمسرح الشعبي، وحصل على لقب أفضل شاعر خليجي في عدة استبيانات خليجية وعربية.

رحل شاعرنا لكن طيفه الجميل لا يزال مرتسمًا في قلوب محبيه ومتابعيه، رحل ولكنه يعيش بين أسطر حروف الشعر، رحل ولكنه عاش متربعًا بين جنبات دفء الكلمات وعذوبة بحور الشعر، رحل ولكنه ما زال حاضرًا مُتربعًا بمساحات المرافئ وحنين الأيام وعبق الذكريات ومتاهات الحروف المكتظة بالطموح وعناقيد القوافي الندية وروعة وجزالة المفردات ودروب العاشقين.

ومن هنا أحبُ أن أوجه كلمة لكل الذين يجرحون قلوب الآخرين بكلمة أو حرف أو حتى أسطر انتقاد في غير موضعه رفقًا بالقلوب فهذه القلوب لن تحتمل في كل مرة لابد لها أن تنفجر يومًا ما ويتوقف شريانها عن توصيل الدم لهذا القلب المثقل بالأحزان المخفية عن الجميع، رفقا أيها الذين يرمون بسهام كلماتهم في صدور الآخرين قاصدين تجريح الفؤاد.

في نهاية المطاف، إن الشعر رسالة سامية ويجب على الجميع احترام هذه الرسالة وعدم التطاول على الآخرين قل خيرا أو اصمت فالصمت وقار.

شيخنا وشاعرنا الراحل طبت في جنان الخلد ورحمة الله تغشاك فقد كنت مثالاً يحتذى به وكنت شعلة من العطاء والخير رحمك الله وأسكنك في فسيح جناته والبقية في حياة الشعر وحياة الأوراق الحزينة في مكتبتك الثكلى بالجراح وحياة كل من عرفك عن قرب وكل من عرفك من بعيد يا صاحب الابتسامة الجميلة، وكم نحن حزينون إذ نودع شخصية سياسية وشعرية لن ينساها الزمن، وسنبقى على ذكراك، فقد رحل جسدك وبقيت روحك تحلق في جنبات الأماكن والأشعار والقصائد والأغاني الحزينة وداعا دعيج الصباح الإنسان والشاعر والسياسي.