عائشة السريحية
سلطنة عمان، بلد أدهش العالم بهدوئه وقوة تحركه، وثبات مبادئه، وعظمة قادته، إن صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد -حفظه الله-، رجل أثبت أنه خير خلف لخير سلف، بل هو رجل المرحلة بامتياز، رغم أن فترة وصوله لحكم السلطنة كانت وسط تحديات عظيمة، فبعد رحيل قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، وحلول جائحة كورونا وتحديات الوضع الاقتصادي، والصراع الدولي والإقليمي، لم يفقده يومًا القيادة الرائدة والحكيمة، لدفة التقدم والانطلاق نحو مسارات المجد وخوض التحديات، ومواجهة العقبات، لقد ظهر قائدا محنكا، أشرف بنفسه على سير الأهداف التنموية، وسعى لتحقيقها في زمن قياسي، ورغم التحديات استطاع أن يضع الأمور في نصابها.
السلطنة اليوم تشهد تطورات اقتصادية وسياسية، تسير وفق خطى ثابتة ومدروسة؛ بل ستصبح رائدة وتجربة دولية فريدة. ولعل النشاط الاقتصادي للسلطنة، وارتفاع إيرادات الغاز الطبيعي والإصلاح الاقتصادي والتنموي من خلال سلسلة من الإجراءات التي اتخذها جلالة السلطان، أثبتت أنه رجل المرحلة بلا منازع.
تحركات صاحب الجلالة الإقليمية والدولية، حركت الجمود المتفشي في كثير من القضايا، وكانت الزيارات التي قام بها جلالته ترجمة لتخطيط حكيم وفذ، فالسلطنة وعلى مدار عقود طويلة، أثبتت أنها ملتقى لكل الفرقاء، ودائرة تتقاطع فيها كل أوشاج المحبة بين الأشقاء والأصدقاء، ولعل زيارات جلالته الأخيرة قد أنبأت عن تجديد وتوثيق وتعميق العلاقات الخليجية، وتقوية الروابط التي لم تزعزعها تقلبات الزمن، ونجد ثمار هذه الزيارات يانعة وجلية، تكاد قطافها تنبئ عن مستقبل واعد وبشائر عهد تشرق شمسه لتضيء عتمة الظروف، وتسحق كل التحديات بأوتاد العظمة المتجذرة بعمق تاريخ الإمبراطورية العمانية، ولعل هذا المجد الذي يتزعمه صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله، يرسم خطا تصاعديا نحو العلياء، معتليا كل المعضلات وضاربا بكل التكهنات الراكدة عرض الحائط، رواسي الإنجاز والاستثمار الاقتصادي تتشكل في لوحة بدأت ألوانها تسطع، معلنة أن الفجر المشرق لم تكبحه دياجير اليأس والحزن، بل ازدادت رونقا وألقا، فقد توسطت السلطنة أعاصير الصراع بسكينة وثبات وألقت غصون السلام يمنة ويسرى لتتعلق بها أنفاس الغارقين، وترتضي حبال السلام الطاهرة كسبل نجاة، فأمست دائرة تتقاطع فيها وشائج القربى والأخوة، فكانت نموذجا للحب والحكمة.
السلطان هيثم بن طارق، اسم سيخلده التاريخ، قيادي لا تفارق الابتسامة محياه، يمشي بخطوات ثابتة ومدروسة لم تتوقف عند عزيمته مسيرة التنمية ومواجهة التحديات. فمنذ توليه مقاليد الحكم في البلاد ونحن جميعاً نشهد بأم أعيننا- رغم التحديات- كم الحلول التي لو دُرست بأقوى جامعات العالم لكانت دليلا إرشاديا لمعنى القيادة في ظل التحديات، والحكمة في رحم الصراعات، والصبر في أقسى الظروف.
رؤية "عمان 2040" هي عنوان لعمل وجهد دؤوب أشرك الجميع في توثيق نجاحها، وستشهد السلطنة خلال تنفيذها، أعظم تجربة تنموية حقيقية ورائدة على مستوى العالم، والأجيال القادمة ستنعم باستدامة انتعاش اقتصادي وإصلاح إداري؛ حيث تتمتع السلطنة بالأرض والثروات والكوادر البشرية، والأخيرة بدورها هي أساس التنمية ومحركها الحقيقي فلا تنمية بدون إنسان واع، ولا تطور بدون كوادر كفؤة، ولكن كي يستمر هذا الخط البياني المتصاعد، يجب أن تتكاتف الجهود وتغلب المصلحة العامة، ويسلط الضوء على كل الكفاءات في كل الأصعدة.
الطفل والمرأة هما ركيزتان مهمتان من ركائز التنمية الإنسانية، والتحديات تكبر في ظل تلقي التعليم بصورته الاعتيادية، ولن يخلق لنا تلك النقلة النوعية التي ستشكل العصا السحرية لتحقيق المستحيل، وأتحدث عن حاضنات الإبداع للأطفال، وحاضنات الثقافة للمرأة، فالطفل اليوم هو رجل الغد، والمرأة هي المدرسة الأولى والمربي الأول.
شهدنا خلال جائحة "كوفيد-19" ركودا على مستوى التعليم؛ حيث كان تلقي العلم عن بعد كان مشكلة تركت جذورها في كل منزل، ودون وعي تام كان الأهالي يتابعون مع أبنائهم تلقي العلم عبر المنصات التعليمية وبدأت المشكلات تشغل حيزا صغيرا سيكبر مع الأيام إن لم يخلق له حلا آنيا، لقد اعتمد كثير من الأطفال على أمهاتهم في التحضير والمتابعة وحتى حل الامتحانات، وترك الهدف الحقيقي من وراء التحصيل العلمي وكان التركيز على حصد الدرجات والتفوق، فلا ندري من يتعلم: هل الأطفال أم أمهاتهم؟!
إن اعتبار الطفل آلة للحفظ والتلقين ما هو إلا سكين تجتث أوردته، فالطفل كائن بشري مبدع يحتاج لمعرفة شخصيته وميوله، فهو بذرة المستقبل القريب، والاهتمام به هو ما سيشكل فارقا عظيما خلال العقود المقبلة، إن إنشاء حاضنات للإبداع على المستوى التعليمي والتربوي، والأسري، والمجتمعي، لا يقل أهمية عن التحصيل الدراسي الروتيني وتحقيق أعلى المعدلات، وعلى كل حال نحن لا نحتاج لأن نجعل كل الطلبة أطباء ومهندسين، ولا نحتاج لأن يكون لدى الجميع ذاكرة تصويرية، تحقق أعلى المعدلات دون حس إبداعي.
فنحن في حاجة لشغل كل المكونات الإبداعية، خارج إطار النظرة السطحية لمعنى التفوق ودخول الجامعات بشكل عادي، فالموسيقار، والمؤلف، والشاعر، والنجار، والحداد، إلخ وكل المهن التي نتعامل معها في حياتنا، هي مهن لها قيمتها وإبداع ممتهنيها، فماذا لو طورت منذ الصغر؟
إن تغيير الفكرة العامة حول طالب متفوق وطالب راسب، إلى طالب مبدع وطالب مجتهد، قد يبدع أحد الأطفال في لعب كرة القدم، أو يبدع في الألعاب الإلكترونية الصعبة، قد يكون إعلاميًا بالسليقة، أو كاتبًا متمكنًا، أو رسامًا محترفًا، أو ميكانيكيًا خلاقًا، أو طباخًا ماهرًا.
ليس مهمًا أن يحصل على أعلى الدرجات في الرياضيات والعلوم، لكنه قد يجيد مهنة ما تبدأ بميوله نحوها، وبمجرد ملاحظة ذلك من حاضنات الإبداع تبدأ في تنمية الجوانب الخلاقة في شخصيته فيكون التعليم مرحاً وهواية وشغفا، لا حفظا وتلقينا.
حاضنات الإبداع للمرأة لا تقل أهمية عن حاضنات الإبداع للطفل، وأهم حجر أساس فيها هو الاحتواء الثقافي، الثقافة المجتمعية، الثقافة التربوية، الثقافة الأدبية، وما إلى ذلك من تنوع واحتواء حسب الاهتمام والميول.
إنَّ السلطنة مهيئة جدا في خضم هذا الاستقرار الأمني والسلم الاجتماعي أن تكون أنموذجا فريدا في خلق مسيرة جديدة في احتضان العقول الصغيرة، والعمل على ديمومة الإبداع، فهو كما أسلفت العصا السحرية التي ستختصر الوقت مع بذل الجهد الآني، التنمية في الإنسان واستدامتها هي ركيزة أساسية لذلك كانت أحد أساسيات رؤية 2040، والتفكير خارج الصندوق هو العجلات التي ستحركها بسرعة تصاعدية، تتخطى العقبات التي يمكن أن تواجهها.