"متسلّقون" في عالم من الفوضى

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

(1)

نحن نعيش في عالم من الفوضى، عالم يحكمه مجموعة من الفوضويين الذين لا يفرقون بين السيئ والأسوأ، يطلقون الأحكام الجزافية على كل شيء، ويصيغون المصطلحات التي لا تستند إلى مفاهيم واضحة، هم من يطلقونها، وهم من يصدقونها، وهم من يوسّع دائرة الفوضى والسذاجة أمام الجماهير التي تصدقهم دون تمحيص أو استدلال، أو تدقيق، لذلك أصبح نصف العالم فوضويا، والنصف الآخر قابل للفوضى.

(2)

هذه الفوضى قد تمتد إلى الإعلام الرسمي والرصين أحياناً، نستمع إلى إذاعات عالمية تستضيف كاتبا بسيطا بحكم معرفة مراسل القناة به، تُطلق عليه مسميات أكبر من حجمه: "محلل سياسي" أو "محلل اقتصادي" أو "ناقد رياضي". وحين تبحث عن سيرة ونتاجات هؤلاء المحللين أو النقاد لا تجد لهم كتابا، أو عملا كتابيا محققا، ومتحققا، ولا يعدو نطاق عملهم أكثر من كتابة مقال في صحيفة، أو نشر خبر، أو تحقيق صحفي بسيط، ولا يمتلكون المعلومة أو المصدر القوي الذي يعتمدون عليه في مقابلاتهم أو كتاباتهم، ولكنها عدوى فوضى الإعلام-حتى العالمي- الذي بات يصدر تأشيرات المسميات والألقاب دون حرج.

(3)

تجد أحيانًا على وسائل التواصل الاجتماعي فتاة يرتسم الغباء على وجهها، تحاول تمرير جهلها على الآخرين، أو استعراض قبحها أو جمالها- لا فرق- ويلعنها المتابعون ويشتمونها لوقاحتها، غير أنَّ المفاجأة التي تحدث بعد حين أن متابعيها يزدادون، وقاعدتها الشعبية تتسع، وتصبح دون سابق إنذار "ناشطة اجتماعية" يتابعها الملايين، وتنهال عليها الإعلانات التسويقية، وتلعب بالمال والبيضة والحجر، ويقلدها الصغار والكبار، ويقتفون خطواتها، لعلهم يصلون إلى بعض تفاهتها، وهكذا ينسلخ المراهقون عن عاداتهم وتقاليدهم وحتى دينهم في سبيل الوصول إلى ما وصلت إليه تلك "الناشطة الاجتماعية" التي تتحول إلى "فاشنستا" تكسب المال بأسرع الطرق، رأسمالها الوحيد هو "فن التفاهة".

(4)

في المقابل تجد شابًا أو حتى عجوزًا فاته قطار العمر يظهر فجأة كي يفضفض عن نفسه، ويرمي بكلمات ذات اليمين وذات الشمال دون رابط أو ترابط، ودون فكرة واضحة، يخرج مرة من حفرة، ومرة من سطل ماء، ومرة من "جلبة قت"، ومرة من اللاشيء، ويزداد متابعو مثل هذا الشخص للتسلية والضحك عليه، غير أنَّه بعد حين يصبح هذا الساذج "ناشطا اجتماعيا"، "وبطلا شعبيا"، يصنعه المتابعون، ويكبر على يديهم، ويتحول من كان يضحك عليه بالأمس إلى سبب في شهرته، وزيادة متابعيه، وهكذا يتحول المهرّج إلى أسد في زمن الفوضى العالمية.

(5)

في صحف العالم المُحترمة لا يستطيع الصحفي كتابة "مقال" دون تدرج مُعين، ودون دراية وتخصص محدد، ولا يتمكن إعلامي أو مذيع من قراءة نشرة الأخبار دون المرور بخبرة تراكمية واسعة، أما في زمن الفوضى فيمكن أن تشاهد قارئ نشرة أخبار يهرس الخبر هرساً، وتقرأ لكاتب مبتدئ "عمودا" في صحيفة وهو لا يملك من المؤهلات ما يجعله جديراً بطلاء "عمود" منزله، ويصبح كل من هبَّ ودبَّ صحفيا أو كاتبا رغم أنف القراء، وقد تجد شخصاً يحمل بطاقة "الصحافة" وهو لم يكتب خبرا واحدا، ولم يُمارس عملا مهنيا حقيقيا، ولم يُغادر مكتبه في الصحيفة، ورغم ذلك يُنعت بـ"الصحفي" و"الإعلامي" ويُستضاف في القنوات الفضائية، وفي الإذاعات وهو لا يعدو كونه "موظفا" في قطاع حكومي أو خاص لا علاقة له بالصحافة الفعلية، ولكن كل شيء جائز في زمن فوضى المُسميات والمصطلحات التي لا تنتهي.