ادعاء الفضيلة!

 

مدرين المكتومية

ماذا تعني الفضيلة؟ وهل نحن فضلاء؟ وهل الفضيلة فقط تعني التحلي بالسُّمو الأخلاقي؟ هل نحن مجتمع فاضل؟ أم هي مجرد ادعاءات نعيش عليها في هذه الرحلة المقدرة لنا؟ أم أنَّ الأمر نسبي ولا يمكن تعميمه؟ أسئلة عدة تتبادر إلى ذهني دائمًا، عندما أتفكرُ في الحياة من حولنا، وتصرفات الأفراد المتناقضة، فبينما يدعي أحدهم الفضيلة والخلق الرفيع، تجده في مواقف بعينها يتخلى عن سماته الطيبة التي اعتاد عليها المحيطون به، فيتحول إلى إنسان آخر، عنيف، وقاسٍ، وشديد الغضب!

إننا كبشر، نأتي لهذه الحياة دون أن نُدرك ما الذي سنراه ونعيشه من لحظات ومراحل، لا يدري أي شخص منِّا الماهية التي سيكون عليها، ولا يعلم أين سترمي به أمواج الحياة الهائجة، ولا أي ريح عاتية سترمي به، ولا أي أرض ستتلقفه ليجد نفسه عليها، ولا يعلم أبدًا من أي أبوين سيولد، ولا في أي الأحياء سيعيش، وما إذا كان فقيرًا أو غنيًا، كلها أقدار لا دخل لأي شخص منا فيها، حتى وإن كان لبعضها مسببات إلا أن أكثرها مقدرٌ.

ولأن الأقدار هي ما تقود الكثير منا لدروب يجهلها، وأخرى يكتشفها، فإنَّ الحياة لا تعطينا إلا بقدر ما ستأخذ، وسيجبر الكثير منِّا على ألا يعيش الحياة كما يريد ويتمنى ولا كما يجب عليه أن يعيشها، ولربما ستسقط الفضيلة منِّا في كثير من المواقف والأحيان لأننا نضطر لذلك، ليس بالضرورة أن تكون رغبة منا، فمتغيرات العصر ساهمت وبشكل كبير في جعل الكثير منِّا يعيش مجاملاً على سبيل المثال.

إنَّ الفضيلة والخلق وغيرها من الصفات الحميدة قد نكتسبها وقد تتعزز لدينا، لكننا لا يمكن أن نعيش عليها دائما، فنحن أمام عالم متغير، وفي كثير من الأحيان نضطر لترك صفاتنا الحميدة ونستعيض عنها بالمجاملة، وربما المحاباة، ويمكن أن نستميل لشخص آخر، وربما نشخصن المواضيع، وبالفطرة البشرية أيضا هناك شيء ما يدفعك في كثير من الأحيان للقيام بهذه السلوكيات الأخلاقية التي قد تكون خاطئة أو غير محببة لكنها الحياة ترميك عند أول مطب، وتلقي بك في كنف أول من يتلقفك، وبالتالي تشعر وكأنك مدين للحياة أكثر من أن تكون مديناً للآخرين ما أنت عليه، وأن الحياة وكل تقلباتها هي من جعلتك بهذه الصورة.

في النهاية نحن بحاجة لأن نكون فضلاء، إننا بحاجة لأن نصمد أمام هذه المُتغيرات، وبحاجة لأن نُعيد إحياء بعض الصفات التي تلاشت وربما تغاضينا عنها بسبب إيقاع الحياة المتسارع، إننا بحاجة لأنفسنا لنكون حقيقيين دون تصنع ودون تزييف، لذلك علينا السعي بكل جد واجتهاد للتمسك بأخلاقنا الفاضلة وسماتنا الطيبة، علينا أن نعيشها بكل عنفوان، فنحن لا يمكن أن نكون إلا نحن وهذا يتطلب منِّا أيضا المحاولة بكل جهد للسُّمو عن كل ما يمكنه أن يحولنا إلى نسخ وإلى أناس نمضي على أهواء الآخر، وعلى أهواء الحياة التي تفرضها علينا.

وأخيرًا.. علينا ألا نقبل إلا أن نكون أناسًا نترك بصمة في حياتنا، ولا نلوم الآخر إن تصرف بغير ما يجب عليه أن يتصرف؛ فالإنسان يوضع في غير المواضع التي يريد، ويجد نفسه أمام تحديات وأمام أوضاع قد لا يقبلها هو على نفسه، ولكنها الحياة بكل تجلياتها وتقلباتها.