مراكز التميز البحثي بمؤسسات التعليم العالي

 

د. عامر بن سلطان الحجري

يُعد البحث العلمي من الركائز المُهمة في مسيرة النهضة العمانية وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في السلطنة، ويتضح ذلك جلياً من خلال أشكال الدعم المتعددة لأنشطة ومشاريع البحث العلمي خلال الخطط التنموية السابقة، خاصة الدعم المالي للجامعات والباحثين. وقد توجت هذه الجهود بإنشاء مجلس البحث العلمي، الذي أصبح الآن جزءًا من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار.

وجاءت رؤية "عُمان 2040" لتُضفي مزيدًا من الأهمية للبحث العلمي والابتكار؛ حيث أصبح "التعليم والتعلم والبحث العلمي والقدرات الوطنية" واحدا من الأولويات الوطنية لهذه الرُّؤية. وفي هذا الإطار، ولمزيد من التوضيح، فإنِّه لابُد لنا من اقتباس التوجه الاستراتيجي التالي الوارد في وثيقة الرؤية "وفي مجال البحث العلمي والتطوير، لا بُد من إحداث نقلة كمية ونوعية في هذا المجال، من خلال التركيز على توفير مصادر تمويل متنوعة ومستدامة، تدعم عمليات البحث العلمي التطبيقي المعزز للابتكار في المجالات المختلفة، وتوثيق وتعزيز أواصر الشراكة الحقيقية بين المؤسسات الأكاديمية والبحثية ومؤسسات القطاع الخاص". ومن الأهداف التي تمَّ رسمها لتحقيق هذا التوجه الاستراتيجي:

  1. تأسيس وبناء "منظومة وطنية فاعلة للبحث العلمي والإبداع والابتكار تُسهم في بناء اقتصاد المعرفة ومجتمعها".
  2. إيجاد "مصادر تمويل متنوعة ومستدامة للتعليم والبحث العلمي والابتكار".

ومما لا شك فيه، أن إنشاء وتطوير مراكز متخصصة ومتميزة للبحث العلمي في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي العُمانية وتسمى بـ "مراكز التميز البحثي"، سوف ينسجم مع التوجه الاستراتيجي لرؤية عُمان 2040، ويساهم في تحقيق الأهداف المرسومة لتنمية وتطوير البحث العلمي والإبداع والابتكار، وصولا إلى اقتصاد المعرفة ومجتمعها.

وبناءً عليه، فإنَّ هذا المقال سوف يسلط الضوء، بشيء من الإيجاز والاختصار، على هذه المراكز من حيث تعريفها، وأهداف إنشائها وتأسيسها. 

ويمكن تعريف مراكز التميز البحثي على أنها وحدات أو مراكز بحثية متخصصة تضم مجموعات أو فرقاً من الباحثين المتخصصين في مجال علمي محدد، كالطب مثلاً، أو في أكثر من تخصص علمي، وتكون هذه المراكز مزودة بكافة اللوازم، كالمختبرات، والمكتبات ومصادر المعلومات وغيرها من التقنيات واللوازم التي تمكن الباحثين من القيام بناشطات وبرامج ومشاريع بحثية مُتميزة تؤدي إلى تحقيق رسالة وغايات وأهداف هذه المراكز.

 وغالبًا ما تقوم الجامعات البحثية، كما هو حاصل في الكثير من الدول بإنشاء هذه المراكز كجزء من رسالتها الأكاديمية، ودورها في تطوير البحث العلمي على كافة المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، وفي كافة التخصصات العلمية.

وقيام الجامعات وغيرها من مؤسسات التعليم العالي بإنشاء وتطوير مراكز التميز البحثي في كافة التخصصات العلمية في الدول المتقدمة، كالولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، ودول غرب أوروبا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، والصين، وغيرها من الدول، كان له دور كبير وفعَّال في تحقيق الثورات الصناعية والاقتصادية والتكنولوجية، وبالتالي تحقيق قفزات كبيرة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذه الدول.

فالتميز في البحث العلمي في كافة المجالات والتخصصات العلمية يُؤدي إلى إنتاج المعرفة، ليس فقط في الجوانب النظرية، بل في الجوانب التطبيقية والعملية، وهذا يؤدي إلى خلق بيئة مناسبة للابتكار والريادة في كافة الأنشطة الصناعية والاقتصادية.  

ولتحقيق هذه الغايات السامية، فلا بُد من تحديد أهداف واضحة لإنشاء وتطوير هذه المراكز، بحيث تكون هذه الأهداف قابلة للقياس؛ لتقييم وتقويم الأداء من فترة إلى أخرى. وقد تتنوع وتختلف أهداف إنشاء مراكز التميز البحثي حسب الخطط الاستراتيجية الوطنية والمؤسسية التي تنتمي إليها، والمنظومات والأطر التي تعمل من خلالها، وغيرها من العوامل. ولهذا فإنه من غير المنطقي وضع أهداف موحدة لكافة أنواع مراكز التميز البحثي. إلا أنَّ العديد من الدراسات بينت أنَّ هذه المراكز رغم تنوعها من دولة إلى أخرى، واختلاف تخصصاتها، لكنها قد تشترك في بعض الأهداف. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإنَّ أهداف إنشاء مراكز التميز البحثي في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي يمكن أن تشمل:

  • تفعيل دور الجامعات ومؤسسات التعليم العالي الأخرى كمؤسسات ذات رسالة وأهداف بحثية، وأن هذه الرسالة تشكل جزءا مترابطا ومتكاملا مع الرسالة الأكاديمية والتعليمية للجامعات.   
  • إيجاد البيئة البحثية الملائمة، لتمكين الأكاديميين وطلاب الدراسات العُليا وغيرهم من الباحثين من إجراء البحوث العلمية.   
  • القيام بالبحوث العلمية المتميزة في مجالات وتخصصات علمية مُحددة تعتبر ذات أهمية استراتيجية على المستوى الوطني. أي ربط أنشطة وبرامج ومشاريع مراكز التميز البحثي بالاستراتيجيات الوطنية.
  • إيجاد نوع من التكامل والترابط بين الأكاديمين والباحثين في الجامعات والمؤسسات الصناعية والاقتصادية على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية.
  • تأسيس وتطوير علاقات التعاون العلمي (البحث العلمي) بين الجامعات ومراكز البحوث العلمية المتميزة عالمياً.
  • تدريب الباحثين وتطوير المهارات البحثية للأكاديميين وغيرهم من الباحثين في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي.
  • تطوير بدائل وآليات متنوعة ومستدامة لتمويل برامج وأنشطة ومشاريع البحث العلمي.

تعليق عبر الفيس بوك