د. محمد بن عوض المشيخي
لا شك أنَّ العلاقات العمانية السعودية في أفضل أحوالها، فهناك تعاون وتنسيق في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية؛ فصفحات وفصول هذا التواصل والتكامل بين القيادتين مضيئة وراسخة وشامخة في عنان السماء، ومكتوبة بماء من ذهب، وهذه العلاقة التاريخية وجدت لتتجذر وتتعمق يومًا بعد يوم في قلوب أبناء الشعبين الشقيقين اللذين تربطهما أواصر الدم والدين والجوار.
لقد أثمرت اللقاءات المستمرة بين جلالة السلطان هيثم بن طارق وأخيه خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز- حفظهما الله- في كل من مدينتي مسقط ونيوم خلال هذا العام والعام الماضي، فغدت هذه العلاقة من النماذج الفريدة التي يشار لها بالبنان في المنطقة. وتأتي زيارة صاحب السُّمو الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي العهد ووزير الدفاع في المملكة العربية السعودية للعاصمة العمانية مسقط لتفتح افاقا جديدة بين الشعبين الشقيقين وتسرع خطى هذه المسيرة الخيرة التي تشهدها العلاقات الثنائية بين السلطنة والمملكة، فالأمير الشاب محمد بن سلمان هو عراب النهضة التنموية الحديثة التي تشهدها المملكة من أقصاها إلى أقصاها، كما إنه مهندس رؤية 2030 للمملكة؛ هذه الرؤية الطموحة التي سوف تنقل بلد الحرمين إلى مقدمة الدول الصناعية الكبرى بنهاية تلك الرؤية بعون الله.
وعلى الجانب الآخر تتجلى تجربة السلطنة الشامخة والمتمثلة في النهضة العمانية المتجددة التي يقودها بحكمة واقتدار جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم الذي تولى وضع الخطوط العريضة للرؤية العمانية الواعدة التي بدأت منذ مطلع هذا العام (2021)، وتمتد لعقدين من الزمن؛ وتحمل في طياتها خططاً تنموية واقتصادية وتعليمية من المتوقع أن تغير ملامح الحياة في السلطنة وتسرع في رفع مستوى دخل الفرد ورفع المستوى المعيشي لجميع أفراد المجتمع العماني؛ معتمدة في ذلك على تنويع مصادر الدخل وتطوير التعليم ومختلف القطاعات الصناعية والسياحية وتحول من الاقتصاد التقليدي إلى الاقتصاد الرقمي بحلول 2040 بإذن الله. لاريب أنَّ هناك قواسم مشتركة بين رؤية "عُمان 2040" ورؤية "المملكة 2030" يمكن للخبراء في البلدين الاستفادة من التجارب المتبادلة لتلك الخطط ومدى نجاحها في قادم الأيام، خاصة إذا عرفنا أنَّ الرؤيتين تعملان على إيجاد مصادر دخل بديلة للنفط في المستقبل القريب.
الأنظار تتجه لقمة مسقط المرتقبة بين قطبي مجلس التعاون الخليجي؛ السلطنة والسعودية؛ إذ هناك العديد من الملفات الساخنة التي من المتوقع أن تناقش بالتفصيل من أجل الحفاظ على الأمن والسلام في الجزيرة العربية ومنطقة الخليج على وجه الخصوص، وتجنيب شعوب المنطقة المزيد من الحروب والمحن.
ولعل الملف اليمني في مُقدمة هذه الملفات؛ فالحرب الدائرة في اليمن تشكل هاجسًا لشعوب المنطقة خاصة؛ وأن عمان والسعودية تربطهما حدود مشتركة باليمن الشقيق. ووقف هذه الحرب وإقناع جماعة أنصار الله "الحوثي" للجلوس على طاولة المحادثات والجنوح للسلام العادل أصبح مطلبًا عالميًا، قبل أن يكون خليجيًا.
من هنا تأتي الحكمة العمانية ودور قيادتها في حل الصراعات الإقليمية لحلحلة هذا الملف الساخن، وذلك من خلال مواصلة جهودها الحميدة ومضاعفتها في هذه المرحلة نحو إرساء السلام في هذا البلد الجار الذي أنهكته الحروب المستمرة عبر العقود الماضية.
يبدو لي أنَّ أمراء الحرب في اليمن لا يرغبون بأي حال من الأحوال أن تتوقف الحروب والفتن، فهؤلاء مصدر رزقهم هي الأطراف الخارجية التي تمدهم بالمال والسلاح، وإن ترتب على ذلك القتل والتهجير للمواطن اليمني البسيط. وعلى الرغم من ثورتي اليمن التي أطاحت بالاستعمار البريطاني في جنوب اليمن، وكذلك ثورة 26 سبتمر التي قضت على حكم الأسرة المالكة المتوكلية في شمال اليمن، إلا أنَّ الشعب اليمني لم يتحقق له الحد الأدنى من طموحاته المشروعة المتمثلة في الحياة الكريمة مثل غيره من الشعوب، فهو الشعب الوحيد في هذا العالم الذي يتمنى الرجوع للماضي بما فيه من ظروف صعبة وجهل وفقر في عهد السلاطين الذين حكموا اليمن عبر القرون. فقد فشل القوميون العرب والماركسيون والاشتراكيون والحوثيون على حد سواء في حكم اليمن الذي لم يعُد سعيدًا كما كان عبر التاريخ. فهؤلاء الذين تولوا قيادة اليمن منذ ستينيات القرن الفائت لم يكونوا أفضل حالا ممن سبقهم؛ بل كانت الأحوال أفضل بكثير مما آلت إليه في حكم الرفاق والقبليين من دعاة الديمقراطية والحرية التي لم تتحقق قط في أرض اليمن.
ونتيجة لهذه النكسات والإخفاقات المتكررة في حكم هذا البلد العربي العريق؛ تأتي دعوات من البعض للرجوع باليمن إلى ما يعرف بنظام ملكي دستوري شبيه بالنظام الماليزي الذي يتدواله 9 حكام أو سلاطين، فمنصب ملك ماليزيا مثلاً منصب شرفي؛ إذ إنَّ السلطة التنفيذية في يد رئيس الوزراء الذي يمثل الحزب الذي يفوز بالانتخابات، كما إن هذه الخطوة سوف تسهل انضمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي لكونه أصبح نظامًا ملكيًا شبيهاً بأنظمة الحكم في دول الخليج العربي، فاليمن هو الحديقة الخلفية للسعودية وعُمان؛ فلا يمكن تخيل استقرار في المنطقة بدون وجود يمنٍ آمنٍ ومزدهرٍ، ويضمن الحياة الكريمة لجميع أبنائه، فهذا القُطر العربي العزيز على قلوبنا جميعاً بحاجة للمزيد من المساعدات والمشاريع العملاقة التي يستفيد منها الإنسان اليمني البسيط.
أما الملف الثاني؛ من حيث الأهمية فهو الملف الاقتصادي، الذي شهد طوال الشهور الماضية حراكًا غير مسبوق، تمثل في تشكيل العديد من المجالس واللجان والزيارات المشتركة بين البلدين على كل المستويات، ولكن الآمال معقودة على هذه الزيارة المباركة للأمير الشاب محمد بن سلمان للسلطنة لتفعيل ونقل التعاون الاقتصادي بين البلدين نقلة نوعية تجعل السلطنة في مقدمة الشركاء التجاريين، وتشجيع الصندوق السيادي السعودي- الذي يعد في مقدمة الصناديق السيادية في العالم؛ إذ تقدر أصوله بنحو 450 مليار دولار أمريكي في هذا العام- على ضخ مزيدٍ من الاستثمارات في المدن والموانئ العمانية التي تتميز بمواقعها الاستراتيجية الفريدة وبعدها عن المضائق والمخاطر. ولا شك أن الاستثمار الثنائي بين البلدين لم يحقق طموحات الشعبين خلال السنوات الماضية وتحديدا قبل قمة نيوم؛ فقد أتت السعودية في المرتبة الأخيرة بين دول مجلس التعاون المستثمرة في السلطنة بـ105 ملايين ريال عماني فقط.
إن طموحاتنا تتمحور في توقيع اتفاقيات اقتصادية جديدة، كإنشاء مناطق صناعية، والتعجيل بافتتاح الطريق البري قبل نهاية هذا العام، وقبل ذلك كله التعجيل بتوحيد أبناء مجلس التعاون تحت مظلة واحدة تضمن المساواة في الحقوق والواجبات وفتح الحدود بين الأشقاء دون حواجز مثل الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة.
وفي الختام.. يجب التذكير بأهمية التعجيل بإنشاء خط أنابيب النفط السعودي إلى بحر العرب، عبر السلطنة إلى ميناء صلالة أو الدقم، والذي أصبح من المشاريع الواعدة التي تم طرحها منذ السبعينات من القرن العشرين كواحد من الخيارات الاستراتيجية للمملكة؛ وذلك لتجنب مخاطر المرور عبر مضيق هرمز؛ لكونه يشكل هاجسًا أمنيًا للقيادة السعودية التي تصدر أكثر من 88% من النفط السعودي عبر هذا المضيق.
أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري