بين الوطن والمُواطنة احتياج فطري وطبيعي!

حمد الناصري

 

للوطن الأُم ضُرورة احتياج فطري، والمُواطنة فيه طبيعية، مِن مُنطلق حاجة الفرد لِتشكيل مُجتمع إنساني.. ينخرط فيه الفرد ويتعايش فيه بكافة الأُطر، ثقافية واجتماعية وسياسيّة واقتصادية ودينية، فيستوجِب مِن الفرد / الإنسان تكوين علاقات مُختلفة مُتشعّبة ومُتنوعة، على أساس المراحِل التكوينية، فطرية وطبيعية، فالفطريّة ضُرورة واحتياج والطبيعية تعايُش وتآلف.

ولكُلّ مِنهما إطار للتعايش مِن خلال ما تكتسِبه مِن ثقافة وتمكين اجتماعي، وقد تتنوع تعايُشاتهما دينيّة أو اقتصادية أو سياسية. فالمرحلة الفطريّة تحتاج إلى صقل وتفعِيل تعايُشِي تُحرّكها البواعث الجسمانية، أما المرحلة الطبيعية فهي مُيول ورغبات وهدوء وسكن آمِن. تترعرع في هذه المرحلة القُوة الجسمانية وتتفتّح زهرات العقل ويزيد حجم الشهيّة لمعرفة كُلّ شيء.. وأخذ كُلّ ما لذ وطاب. وفي هذه المرحلة قد يشعُر الفرد أنه بحاجة إلى انتماء وطني واستقرار وولاء؛ فتكوين الجماعات يحتاج إلى انتماء وإلى عدالة الانتماء؛ تلك العدالة الحقّ في المُشاركة السياسيّة ضِمن دولة وتكوين وطني. يقول، جان جاك روسو في كتابه "العقد الاجتماعي" إنّ الفرد له حقوقٌ إنسانية يجب تقديمها إليه، وفي المُقابل فإنّ على هذا الفرد مجموعة من الواجبات والمسؤوليّات الاجتماعيّة عليه تأديتها".

ونُلخص ما قاله، جان كاك روسو، كاتب وفيلسوف فرنسي برز في عصر التّنوير، إنّ مفهوم الانتماء يرتبط بالمرحلة الطبيعية التي أشرنا إليها؛ سواء أكانت اجتماعية أو ثقافية أو سياسية. وهُنا نرى تمازج المرحلتين الفطرية والطبيعية، ونعني بها هنا ذلك الوطن الفاعِل تكويناً وانتِماءً واستقراراً والمُواطن الفعّال ولاءً، واجبات ومسؤوليات، ومُشاركة سياسية، حقوق اجتماعية وحقوق إنسانية.

تُولِي الحُكومات أهميّة بالغة لِمُصطلح المُواطنة بكافّة مسؤولياتها ترسِيخاً لمبدأ قِيمة المُواطن الفعّال في وطنِيّته وولائه أيّ ربطِه بِصِلة الترابُط المكِين بالأرض الانتماء وبالوطنية مسؤولية وواجبات. ولا أعني بها هنا بالوطنيّة، حق الجنسية وفق القانون الدُولي، فالمُواطنة الحقيقية لا ترادفات لها كمصطلح الجنسيّة بتاتاً؛ ما أعنِيه هُنا المُواطنة حقّ التُراب الأرض انتِماءً لا وِلادة على الأرض؛ فقد يُولد الغرِيب على أرض وينتهي به إلى حقّ الجنسية مثلاً لكن هذا لا يُظهِر عامِل الولاء مهما يكُن.

قرأتُ عِدّة تعريفات للوطن والمُواطنة.. وقد اختلف بعضها لاعتبارات وطنيّة كالدم والانتماء للأرض.. فمثلاً بالإنجليزية، المُواطنة لُغة بأنّها مُشتقة مِن كلمة Citizenship الوطن المكان الذي يُقِيم فيه الإنسان. سواء وُلِد فيه أم لم يُولد.. والفِعل مِنه يأتِي "وطن" بمعنى أقام واتّخذه وطناً؛ وأمّا المُواطنة فهي مصدر الفِعل "واطن" أي شارك بالمكان مولداً وإقامة. والحقيقة اتفِق مع مُصطلح المُواطنة.. فهي تأتِي على وزن فاعِل "واطن" أيّ أقام بالمُشاركة مكاناً وشارك بالمكان مولداً، أمّا ما جاء على فِعل "وطن Citizenship" بمعنى أقام واتّخذهُ وطناً، فهذا لا يُمكِن أن تكون في مرحلتيها الفطرية والطبيعية التي أشرنا إليها، مكاناً واستقرارًا ومُشاركة.

وفي الأنواء المُناخية الاستثنائية ظهرت المُواطنة الفطرية وحاجتِها الضُرورية للوقوف مع الوطن في موقفها العصِيب وتضامنت مع موقِف المُواطنة جمعيّات خيريّة ومُؤسّسات خدميّة ومُواطنون جمعوا بين الاحتياج الفطري وتسهِيل تقديم معُونات عاجِلة غذائية مِنها وما يُرافقها مِن تأمِين ملبس وماء صالح للشُرب وتسهِيل وصُولها لِلمُتضرّرين إلى منازلهم.. وظهر لنا الصُنف الآخر الاحتياج الطبيعي أبرزها فزعة المُواطِنين أوفِياء الوطنِيّة بِكُلّ ما تحمله الكلمة مِن معنى.. ففاز المُواطِن ذِي المكسب الفِطري والطبيعي بكثير مِن إيجابيات قِيم المُواطنة الصالحة النافِعة بِكُل أطياف شرائح المُجتمع كنبض عُماني وطنِي واحِد، فِطري وطبِيعي. ومدّ يدهُ عوناً وتخفيفاً لآثار إعصار شاهِين المُدمّر وما ترتّب عليها مِن أضرار جسِيمة في بعض الأنفُس وكثِير مِن المُمتلكات فكان نبضاً واحِداً مادِياً ونفسياً ورُوحياً وفِطرياً وطبِيعياً وانتِماءً واستقراراً، تلك هي الوطنيّة الحقّة وذلك هو المواطِن الإيجابي بعِيداً عن مقاطع التندّر بمن يقوم بِفِعل الوطن قِيمة ومعنى، فقد انتشرت مقاطع تصويريّة "فيديوهات" عبر حسابات عِدّة، وعلى الواتساب، مفادها عدم قبول بعض مُساعدات يراها البعض أنّها لا تستحِق أن تأتِي مِن أطراف عُمان إلى مناطق ساحِل عُمان المُتضرّرة، محُمّلة قنِينات المياه صالحة للشُرب، تلك العبارات التهكميّة لا تُعطِي إلاّ إشارات سلبيّة تندّرية بِكُل عمل فيهِ خير للناس وصلاح لِلإنسان. وكأنّ أولئك ليسُوا بِعُمانيين ولا يهمهم مصلحة المُتضرّر.. وفي القرآن العظيم نقرأ (وتعاونوا على البِرّ والتقوي...) وفي الحديث الشريف: "مثل المُؤمِنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفم كمثل الجسد إذا اشتكى مِنه عُضو تداعى له سائِر الجسد بالحُمى والسهر".

ولعمرِي تلك هي مُفردات تُفرّق بين الوطن والمُواطنة حين يرى المُستخفون بالعمل الإيجابي أنّهُم بسلبياتهم يضربون بتلك العِزّة والكرامة والفزعة، ولا يُفرّقون بين الاحتياج الفِطري والطبيعي لاستقرار الوطن وتكاتُف المُواطن!

تعليق عبر الفيس بوك