الانتقال بعُمان لمستوى طموحات شعبها

 

راشد بن محمد بن حمد الكيومي

احتفلت عُمان في الثامن عشر من نوفمبر بالعيد الوطني الحادي والخمسين من عمر النهضة الحديثة التي أرسى دعائمها السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه-، والذي لم يدخر جهدا ولا وقتاً إلا وكانت عُمان كلها في فكره وأحاسيسه؛ حيث أحدث- رحمه الله- تغييرات شاملة في بنيان المجتمع العُماني، شمل الإنسان قبل المؤسسات والبنيان، فتحولت عُمان على يديه الكريمتين إلى واحة أمن وسلام واستعاد الإنسان العُماني أمجاده وحقق المجتمع والدولة مكتسبات هامة أسعدت القريب والبعيد، فلله الحمد والثناء الدائم.

ومع تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله- مقاليد الحكم أدرك بحكمته وسديد رأيه أنَّ مسيرة التطور والتقدم لا تتوقف عند حدود مُعينة، وعلِم وهو الذي كان قريبا من السلطان الراحل أن التحديات مستمرة ومتجددة وأن لكل مرحلة في الحياة طموحاتها ولكل جيل رغباته، فأعلن في خطابه الأول سيره على نهج السلطان قابوس- رحمه الله- وأعلن جلالته- أيده الله- في خطابه التاريخي الثاني عن مرتكزات غاية في الأهمية لبدء انطلاقة جديدة، بدءًا بحكومة رشيقة مقرونة بإجراءات تطويرية عديدة.

وعلى الرغم من أنَّ عددًا من الإجراءات التي تضمنتها خطة التوازن المالي قد تأثر بها العديد من المواطنين، إلا أن تلك الإجراءات بدأت تسهم في تحسن الوضع الاقتصادي وفق ما أعلنت عنه بعض المؤسسات الدولية المتخصصة مؤخرا. وينبغي الإشارة إلى الخطوات الإيجابية المتخذة لترشيد الإنفاق الحكومي وتحقيق المساواة بين الموظفين وتقليص الفوارق والامتيازات الوظيفية الكبيرة التي كانت سائدة في السابق. هذا إلى جانب عددٍ كبيرا من التعديلات والإجراءات الحاسمة والتشريعات والأنظمة التي تم إصدارها والتي كان هدفها تحديث منظومة العمل ومنع ترهل المؤسسات الحكومية وجعلها أكثر حداثة وديناميكية.

إن تأكيد جلالة السلطان هيثم المعظم- حفظه الله- في خطابه الثاني بتاريخ 23/ 2/ 2020 على عبارة "إن الانتقال بعُمان إلى مستوى طموحاتكم وآمالكم في شتى المجالات، سيكون عنوان المرحلة القادمة بإذن الله"، أكبر دليل على أن جلالته- أعزه الله -عازم على نقل عُمان إلى مزيد من التطوير الذي ينسجم مع رغبات الجيل الحالي من أبناء عُمان. وفي تقديري أن الخطوات التي شهدناها تمثل مرحلة البداية في طريق الانتقال المأمول إلى تحقيق رغبة جلالة السلطان في أن تستمر مسيرة النماء بوتيرة متسارعة تلبي طموحات الشباب. وبلا أدنى شك فإنَّ رغبة جلالته حفظه الله ستكون متفقة مع رؤية "عُمان 2040" التي كان هو قائدها منذ البداية؛ حيث قال جلالته عند إطلاق الرؤية المستقبلية: "ندرك تماماً أهمية أن نكون مستعدين للمستقبل بتطوراته المعرفية وتقنياته المتسارعة، والتي قد تتطلب تحولات جذرية في مختلف المناحي، كما ندرك من ناحية أخرى أهمية الاستجابة للمتغيرات التي تحدث حولنا". وأضاف جلالته "إن رؤية عُمان 2040 هي بوابة السلطنة للعبور للتحديات، ومواكبة المتغيرات الإقليمية والعالمية واستثمار الفرص المتاحة وتوليد الجديد منها، من أجل تعزيز التنافسية الاقتصادية، والرفاه الاجتماعي". والانتقال من مرحلة إلى أخرى يحتاج بالفعل إلى بعض من الوقت وشيء من التضحيات، لكن كان لجائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط، وهو المورد الرئيسي للميزانية، تأثيرًا كبيرًا على إطالة أمد المرحلة الانتقالية، إن جاز التعبير.

لنا هنا أن نتساءل ما الطموحات التي عناها جلالته أيده الله بقوله "إلى مستوى طموحاتكم"؟ وأود أن أشير إلى بعض الطموحات، من وجهة نظري المتواضعة:

  1. تقوية الموقف المالي بالقضاء على العجز المالي وتقليص المديونية إلى الحدود المقبولة.
  2. إيجاد اقتصاد قوي قائم على تنويع مصادر الدخل ورفع مستوى مساهمة القطاعات الأخرى مثل السياحة والثروة السمكية والمعادن والمحاجر في الناتج المحلي الإجمالي، وتوسيع قاعدة الإنتاج بإضافة مزيد من الصناعات التحويلية.
  3. رفع مستوى دخل المواطن العُماني مع مزيد من التمكين له في مختلف القطاعات بما يحقق الرفاه والحياة الكريمة، وهذا بلاشك من أهم الطموحات لأن الإنسان هو هدف التنمية أولًا وأخيرًا.
  4. إيجاد حلول سريعة لانشغالات الشباب وتهدئة هواجسهم المتعلقة بالفرص الوظيفية الملائمة في القطاعين العام والخاص، وتوفير الأراضي السكنية في مختلف محافظات السلطنة خصوصا وأن الكل يعلم مدى إتساع الرقعة الجغرافية لدينا وتوفر الأراضي خارج محافظة مسقط.
  5. التعجيل باستغلال المقومات السياحية التي تملأ البلاد شرقًا وغربًا شمالًا وجنوبًا بدءًا من التراث والتاريخ مرورًا على الطبيعة المتنوعة الباذخة جمالًا وهدوءًا، وأخيرًا وليس آخرًا الأمن والأمان وأخلاق الإنسان. واستغلال تلك المقومات أولًا بتوفير بعض الأساسيات التي لا غنى عنها لتشجيع السياحة، مثل ما حدث من إنفاق الحكومة العالي على الطرق والموانئ والمطارات والمؤسسات، ثم بعد ذلك إقامة المشروعات الكبيرة من خلال تحفيز الاستثمارات الوطنية المحلية، وهي الأولى من وجة نظري، أو بالاستعانة بالاستثمار الأجنبي.
  6. إيلاء منظومة التربية والتعليم مزيدا من العناية لتحقيق التطوير المرتجى، حسبما عبر عنه جلالة السلطان هيثم بن طارق بقوله: "إن الاهتمام بقطاع التعليم بمختلف أنواعه ومستوياته وتوفير البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار سوف يكون في سلم أولوياتنا الوطنية".
  7. يتحدث العديد من الشباب عن رغبتهم في التجديد والتطوير والخروج من الروتين في تنظيم الاحتفالات والمهرجانات بإدخال عنصري الإبداع والإبهار، وذلك كله بعيدا عن الابتذال والانفتاح غير المرغوب بطبيعة الحال، ولكن المقصود في استخدام التقنيات الحديثة وتطويعها في خدمة التسويق للحضارة والتاريخ والشخصيات العُمانية على مر العصور.
  8. تفعيل الرقابة والمحاسبة لكل من يحاول، مجرد المحاولة، في استغلال منصبه أو موقعه من أكبر مسؤول إلى أصغر موظف، مع الأخذ بأساليب الإدارة الحديثة، وكذلك تقييم الأداء وتكريم المجيدين أينما كان موقعهم الوظيفي.

ومما لا شك فيه أن رؤية "عُمان 2040" تضمنت أكثر من تلك الطموحات باعتبارها شاملة لمجالات كثيرة، كما أن جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- قد أشرف على رؤية "عُمان 2040" واستمع من الشباب والتقى بهم مباشرة، لذا فإن جلالته- حفظه الله- يعي جيدًا متطلبات المرحلة القادمة وحدد الأولويات، وهو ينشغل بها ويعمل على تحقيقها، ولعل زيارة جلالته- أيده الله- الأولى الى المملكة العربية السعودية والثانية إلى دولة قطر، تصبان في خدمة أهداف التنمية وتشجيع الاستثمار وبناء علاقات متينة تخدم مصالح السلطنة والبلدين الشقيقين.

إن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة وما زال الطريق لإحداث نقلة نوعية في مختلف جوانب العمل والبناء يحتاج منا شيئًا من الصبر وكثيرًا من الثقة في الله سبحانه أولًا ومن ثم في جهود جلالته، إلى جانب التحلي بالأمل والتفاؤل فيما هو قادم من إنجازات ومجهودات هي قائمة ومستمرة بعون الله. كما إن نجاح الحكومة الرشيدة في السير وفقًا لهذه الرؤية والعمل على إنجاز بعض مكوناتها بنسب عالية وفي فترة زمنية أقصر، سيكون مدعاة لبث الروح الإيجابية لدى الجميع ويفتح المجال للشباب لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم المختلفة بإذن الله.

تعليق عبر الفيس بوك