18 نوفمبر.. وفاءُ سلطانٍ لسلطان

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

(1)

يأتي الثامن عشر من نوفمبر ليُنعش الذاكرة، ويرسم معالم من نور، وإيمانًا بالهدف، ويكتب صفحات من الوفاء المغروس في النفوس، ذلك اليوم الذي وُلد فيه السُّلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيّب الله ثراه- فتغيّرت فيه خارطة عُمان، وتبدلّت ملامحها، وعرفت معالم الطريق إلى المستقبل، فقد كان يومًا فارقًا بالنسبة للعُمانيين، ما زالوا يعيشون عبقه، ويتنفسون عطره.أنتيأ

(2)

بدأ تاريخ عُمان الحديث في 23 يوليو 1970م، حين اعتلى السلطان الراحل عرش الحكم، وبدأ مسيرة البناء، وتفانى بإخلاص مُنقطع النظير في وضع حجر الأساس لوطن عظيم، يسانده رجال أوفياء، وشعب أقسم على الطاعة والولاء، وبذل الغالي والنفيس ليتنفس العمانيون رائحة الحرية والعزة والكرامة، ويكتبون التاريخ بدمائهم، وعرق جبينهم، وسواعد لا تكل، وقلوب لا تمل، وعزائم من حديد لا تفل.

(3)

خمسون عامًا من البناء الذي اكتمل أساسه، وكبرت فيه عمان في عيون العالم، وتألق نجمها، وسطعت شمسها، ودحرت فلول الظلام، وثالوث الفقر والمرض والجهل المرعب، خمسون عامًا تعاظمت فيها الإرادة، وعظم فيه العطاء، وتسابق فيه الشعب لخدمة الوطن، واستماتوا في الدفاع عن مكتسباته، وعضّوا على منجزاته بالنواجذ، ولم يتخلف منهم أحد، فكانوا نعم الشعب، ونعم القائد.

(4)

وفي يوم لا ينساه العُمانيون انتقل السلطان قابوس- طيب الله ثراه- إلى الرفيق الأعلى، محفوفًا بأدمع الأوفياء، وتأبين العالم، وبكاء شعب لم يعرف سواه قرابة نصف قرن، بعد أن أتم رسالته، وأكمل مسيرته، وأعطى وما بخل، ووعد فما أخلف، وقال ففعل، وتجاوزت سمعته الطيبة وآثاره الآفاق، رحل في هدوء مهيب، ومشهد لا يمحى من الذاكرة، رحل وهو يودع شعبه دون كلمة، ودون نظرة وداع أخيرة، ترك وصيته الخالدة، لتكمل ما بدأ، وتواصل ما سلف، وتسعى إلى الهدف، وهو رفعة عمان، وعزتها، ورخاء شعبها.

(5)

جاء حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- ليُكمل المسيرة، ويُجدد العهد، ويحمل التركة الثقيلة التي لا يحملها سوى أولئك الذين يملكون الإرادة، والحزم، والعزم، والرؤية البعيدة الثاقبة، والنفوس التي لا تُرهقها التضحيات، ولا تهدها الثقال من الأمور، جاء ليشكّل تاريخا جديدا للوطن، ويرسم خارطة واضحة المعالم لتضاريس في باطنها الرحمة، وفي ظاهرها صلابة القرار، وها هي ملامح المستقبل تكاد تبين، من خلال إعادة تشكيل طين الوطن القادم، وصناعة الغد المشرق بإذن الله.

(6)

18 نوفمبر دليلٌ واضحٌ للعيان على وفاء السلطان هيثم- أعزَّه الله- لعهد السلطان قابوس- رحمه الله- والإبقاء على يوم ميلاد السلطان الراحل ليكون عيدًا للوطن، إنِّه دليل على عظمة هذا السلطان، ووفائه لسلفه، ومؤشر على إنسانيته، ومبادئه، وقيمه النبيلة، وما أخطأ السلطان الراحل حين ترك أمانة هذا الشعب في عنق رجلٍ يثق بأنَّه القادر على مواصلة طريق البناء الشاق، والنجاح فيه، وأنه أهل للثقة، وحمل الأمانة.

(7)

رحم الله السلطان قابوس بن سعيد وتغمده بواسع رحمته، وأعان السُّلطان هيثم بن طارق- أعزه الله وأبقاه- على حمل هذه الأمانة الثقيلة، ونسأل الله له التوفيق فيها.

إرثًا عظيمًا- قد حَمَلتَ- ورايةً

مَن غيرُ هيثمَ للثقالِ أمينًا؟!