ندوة "من أعلامنا".. والشيخ تاج العارفين

خالد بن سعد الشنفري

طال انتظارنا، لكن العبرة بالنهايات كما يُقال، لقد أروت "ندوة من أعلامنا" الذي أحياها مشكورًا النادي الثقافي نهار الأربعاء 3 نوفمبر بفندق ملينيوم السعادة في صلالة، بعضًا من شغفنا بتسليط الضوء على صفحات من تاريخنا المُشرق الذي اعتراه بعض من الوهن، وأحدث بعضًا من الغبش حوله، فأصبح غير معلوم لنا نحن الجيل الحالي ومن سبقنا بجلاء ووضوح وترابط واتصال ببعضه بطريقة يسهل معها للعامة الاطلاع عليه ومعرفته والعلم به.

وبالتالي يجب الاتعاظ من عبره ودروسه والبناء عليه، وقد أتت هذه الندوة- التي نتمنى ونأمل أن يستمر ويُشجع نهج قيام مثلها- ليسهل بعد ذلك توثيق ونشر تاريخنا الحافل وإدراج مقتطفات منه ضمن مناهج أبنائنا الدراسية لتحفيزها على قراءته والاتعاظ منه ومن سير وحياة أسلافهم، وبالتالي لزم علينا نحن اليوم الجيل الذي نهل مما هيئته له نهضتنا الحالية وعلوم عصرنا تشجيع المزيد من أبنائنا على البحث والاجتهاد والتنقيب في تاريخهم وموروثهم.

هبت علينا في هذا يوم الثالث من نوفمبر، نسائم كوس ونفحات عطرة محملة بالعلم والثقافة والتاريخ والتراث، نوفمبر الشهر الذي أصبح له رمزية خاصة في حياتنا في عُمان قاطبة وفي ظفار خاصة، ظفار جوهرة التاج العماني التي على ثراها ولد القبس "قابوس"- طيب الله ثراه- في الثامن عشر منه، قبل واحد وثمانين عامًا إيذانًا من القدير- جلَّ في علاه- أن يكون هذا المولود فاتحة خير على عُمان التاريخ والحضارة الضاربة في القدم والتي خبأ نجمها لعقود طوال قبل مولده، كما إنَّ لكل نجم خبؤة ولكل جواد كبوة، فأعاد قابوس دورة التاريخ على عمان من جديد منذ الثالث والعشرين من يوليو 1970 إلى اليوم وسيستمر ويتواصل هذا بإذنه الله تعالى، مع تواصل الملحمة الوطنية تحت ظل الرعاية السامية من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- سلطان التجديد، فهو من اختاره لنا قابوسنا في حياته ليقود دفة هذا العصر المتجدد من بعده.

في هذا اليوم ومن منطقة السعادة تحديدًا التي تطل على مدينة الرباط التاريخية التي اختط بها قصر الرباط العامر ليُعيد التاريخ نفسه بعد 8 قرون من الزمن، السعادة التي تتوسط ظفار البليد، وظفار مرباط، والتي اختار لها السلطان الراحل قابوس اسمها تيمنًا منه بالمرحلة الجديدة لعمان التي ستعيشها بسعادة وأمن واستقرار من أقصاها إلى أقصاها، ويلتئم شمل العقد العماني الذي كادت بعض حبّاته أن تنفرط قبل نهضة عُمان الحديثة (نهضة الإنسان والعمران) وربط كل ذلك بالماضي التليد ماضي الإسلاف، فمن ليس له ماضٍ ليس له حاضر يذكر.

اليوم ورغم أنَّ عنوان الندوة كان الإمام العلامة العارف بالله سعد تاج العارفين الظفاري، إلا أن الباحثين الأساتذة الأفاضل من حضرموت وعُمان، مشكورين أثروا بأوراق بحوثهم مرحلة ما يسمى بالعصر الذهبي لظفار خلال القرنين السادس والسابع الهجريين، وذلك لعلو شأن الشيخ سعد تاج العارفين ومعاصرته لآخر مراحل الدولة المنجوية (ظفار مرباط) التي كانت تغطي رقعة من الأرض تمتد من المنطقة الوسطى إلى منطقة الشحر، وعاصر أيضًا بدايات الدولة الحبوضية (ظفار البليد)، وأدوار هذا الشيخ الاجتماعية المعروفة وتوارث أبناؤه وأحفاده من بعده بعض هذه الأدوار على مدى قرون من بعده.

سبق لي أن تناولت في مقالين سابقين هذه المرحلة الزاخرة بالعلوم؛ الأول بعنوان "الأضرحة والقبور في ظفار" كدليل على ما أنتجته لنا هذه الأربطة والزوايا من علماء أجلاء وأعلام مصلحين اجتماعيين في كل من الرباط وصلالة، وقبلهما مرباط؛ كدليل على أهميتهما التاريخية وشهرتهما التي تجاوزت الآفاق. والثاني بعنوان "استجلاء ما جهل من التاريخ"، وتمثل هذه الندوة بحق بادرة طيبة وبداية ثرية ومقدرة ومشكورة من النادي الثقافي والقائمين عليه، أصبحنا جميعًا بعدها اليوم نتوق إلى أن يستمر هذا النهج، وعقد المزيد من أمثالها لتصبح دافعًا ومحفزًا لشبابنا الباحثين المهتمين للغوص أكثر في التفاصيل الدقيقة لتلك المراحل، التي غطت الندوة بجدارة الخطوط العريض لها.

شكرًا مجددًا للنادي الثقافي وشكرًا للأساتذة الباحثين من حضرموت وعمان، ولمن أداروا جلساتها باقتدار، وكل من ساهم فيها وإلى غدٍ أكثر إشراقًا ونصوعًا لعماننا الحبيبة.