نظارة الحادي والخمسين

 

عائشة السريحية

حين تظهر في الأفق تحديات لم نتوقعها، وحين نُواجه كوارث لم نتخيل حدوثها، ثم نتعامل مع الأمر بواقع التجربة ونخلق الحلول، ثم تصبح تلك الحلول مرجعية للمستقبل، نستطيع القول إننا أصبحنا خبراء.. وحين نخطط للمستقبل ونضع رؤى خاصة منبثقة من واقعنا، ومن دراسة المشكلات والتحديات وتشريحها ووضعها على الطاولة، ثم نقوم بإشراك الكثير من العقول لحلها، ونرسم لها خارطة طريق للمستقبل لتجنب العواقب وحل المشكلات قبل وقوعها،  نحن إذن قد أمنا مستقبلنا.

الاختيار واتخاذ القرار عند مفترق طرق، وتحمل نتيجة قرار الاختيار، أمرٌ صعب للغاية، ومن باب الشيء بالشيء يذكر، ظهرت في الآونة الأخيرة ألعاب إلكترونية، ليست كما عهدها من أحب الألعاب قديماً؛ بل أصبحت ذات توجه له مبدأ الاختيار وتحديد المصير، فيعطي مبرمجو هذه اللعبة للاعب المجال في اختيار الطريقة التي يود إكمال اللعبة بها، معتمدين على تغيير مسار اللعبة جذريًا، حسب اتخاذ اللاعب للقرار، وتستمر الخيارات في كل مراحل اللعبة، وربما يكون اتخاذ قرار خاطئ بمثابة إعلان "game over"؛ لذلك يلعب غالبًا اللاعب بحذر وتفكير وتوقع للعواقب واستشراف للمخاطر؛ بل إن بعض اللاعبين يعيدون اللعبة عدة مرات من البداية بسبب اتخاذه سلسلة من القرارات التي كانت نتيجتها تغيير مسار اللاعب بطريقة هو لا يرغب أن تنتهي بها أو يخسر المرحلة، أو يفوز بها منافسه.

المسرح الدولي تنشأ على خشبته العديد من الخيارات ولعل أهمها الخيارات الاقتصادية، ماذا لو تمَّ اختيار قرار صحيح فأوجد لنفسه مسارا ينطلق ليصل بعد عقود لنتيجة جبارة تغير مسار الخارطة الاقتصادية العالمية، الصين اتخذت ذلك القرار فاستطاعت أن تصبح رقمًا لا يُمكن تجاوزه واخطبوطا اقتصاديا صنع كل شيء دون أن تكون هناك حدود أو معايير للتوقف، من الإبرة للصاروخ.

دول مجلس التعاون الخليجي بدأت تستشعر أهمية الوقوف على المربع الذهبي، والذي يطوف على بركة النفط، ولكن الاتجاه العام للمؤشرات الاقتصادية العالمية تقول إنها مرحلة ستنتهي يوما، والدول التي تعتمد اعتمادا كلياً في اقتصادها على النفط لن تنجح في الصمود، فبدأت دول مجلس التعاون ترسم الخطط المستقبلية وتضع الرؤى، وتهتم بالشباب وتنوع الاستثمارات، ورغم أن العملية تتم بهدوء وروية إلا أن هذه القرارات ستنقذ المستقبل القريب والبعيد، إن استمر تفعيلها وفق آلية واضحة وكسر أي حواجز وعقبات، ودون تهاون لمن يُحاول أن يعرقل مسيرتها.

السلطنة وهي إحدى دول مجلس التعاون، طرحت رؤية "عمان 2040" كأهم تخطيط استراتيجي وتنموي واقتصادي لرفع اقتصاد الدولة وحل المشاكل الآنية التي واجهتها وتواجهها، وما حدث خلال جائحة كورونا يجعلنا نعيد النظر في نوع التحديات التي يُمكن أن نواجهها خلال الفترات المقبلة، وأقصد بذلك الكوارث والأنواء المناخية والجوائح، فالوضع على المسرح الدولي والمحلي بات قابلاً لحدوث المستحيل، واللامتوقع، كما حدث في الأعوام الأخيرة من تكبد الجميع الخسارة رغم انتعاش الحركة الاقتصادية على مستوى العالم بسبب سهولة نقل وتبادل البضائع والمعدات والمواد الغذائية، وسهولة التنقل وأمان طرق النقل وغيرها.

والسلطنة حالها كحال بقية دول المنطقة، تُواجه التحديات مع الاقتصاد العالمي وأسعار النفط ما بين الانتعاش والركود. وقد ظلت عُمان خلال عهد النهضة تسير وفق بناء وإصلاح وتعمير، وبعد انتقال مؤسس النهضة الحديثة وبانيها قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- لجوار ربه، أكمل المسيرة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- متابعًا وحريصًا على إكمال التوجه الاستراتيجي نحو بناء وطن قوي الأركان مُتماسك البنى، ينعم بالسلم والأمان، ويخطو خطوات متسارعة نحو المجد والمراتب الأولى. وما شهدناه من إصلاح جنب الوطن عبء تسويف الحلول، وتصدير المشاكل الحقيقية للمستقبل وخلق حلول مؤقتة، ينبئ عن رؤية حقيقية لمستقبل البلاد ولعل المشاريع الضخمة والاقتصادية والتي شهدنا قيامها في الدقم أنموذجا، كمشاريع التطوير العقاري والمصانع الكبيرة والمصفاة النفطية وميناء الدقم  وكل المشاريع التنموية فيها ستشكل بعدًا اقتصادياً كعلامة فارقة ستمتد بتصاعد تنموي نحو المستقبل البعيد.

إن اتخاذ قرارات ذات أثر مستقبلي يشمل أحداث تتابعية ستتراكم عليها لبنات النجاح بالتقادم، وستبني في المستقبل القريب صرحا عظيما سنباهي به الأمم.

العيد الوطني الواحد والخمسون لم يعد رقمًا نُكمل به مسيرة النهضة العمانية فقط؛ بل إنه مؤشر العداد نحو البناء والعمل ورفع الاقتصاد الوطني، ودلالة على أن ما يحدث اليوم من تحديات تواجه الوطن ماهي إلا صقل لإخراج مكامن الطاقات من أبنائه، وقد تجلى ذلك من خلال المحاور الأساسية لرؤية 2040، والتي تتمثل في: «الإنسان والمجتمع»- «الاقتصاد والتنمية»- «الحوكمة والأداء المؤسسي». وضمن هذه المحاور الثلاثة التي بدأت بالثروة البشرية وانتهت بالحكومة، نجد الرابط الأقوى والهدف الحقيقي وهو المواطن العماني، الثروة الحقيقية للبلاد، فلا اقتصاد وتنمية بدون إنسان، ولا عمل مؤسسي ناجح دون حوكمة. ولا نجاح وطن دون قيادة سياسية رشيدة، وشعب وفي ومخلص.