العمانيون عندما يسخرون!

 

مدرين المكتومية

شعوب كثيرة حول العالم عُرف عنها حس السُّخرية وأساليب الفكاهة في الحديث، خاصة إذا تناولوا قضية مجتمعية لم يتوصلوا فيها إلى حلول، فيبدأوا في السخرية منها، في محاولة منهم لتجاوزها بالمزاح والفكاهة!

ونحن هنا في عُمان نتمتع بهذا الحس الساخر، وكنَّا دائمًا ما نستخدمه في مواقف كثيرة، حتى إن أمثالنا الشعبية التي سمعناها من أجدادنا وأمهاتنا وآبائنا مزجت بين الحكمة والفكاهة، بين الرأي السديد والسخرية، في ثنائية عجيبة تعكس مدى الثراء الفكري والثقافي لدى الأجيال المُتعاقبة، حتى وإن لم يكونوا قد تعلموا ذلك، يكفيهم أنهم وجدوا أنفسهم في مواقف تُحتم عليهم التعامل معها بطريقة مُختلفة، فمثلاً قد تجد الأم نفسها في موقف شديد التعقيد في التعامل مع ابنها أو ابنتها، فلا تجد من طريقة للنصح والإرشاد سوى أن تطرح له الأمر من زاوية كوميدية.

الأمر لا يتوقف عند الجانب التاريخي الذي من المؤكد أنه خصب وثري وإذا ما تعمق فيه الباحثون سيجدون الكثير والكثير من العبارات الساخرة التي عكست حس الفكاهة لدى العمانيين، لكن المسألة باتت أكثر وضوحًا وانتشارًا في ظل استخدام الغالبية من العمانيين- لا سيما الشباب- لوسائل التواصل الاجتماعي، والتي بطبيعتها تشجع على هذا المناخ الساخر وتلك النزعة نحو الفكاهة، بسبب وجود ما يُعرف بـ"الميم" أو الشعارات المصورة في تصميم مُعين عادة يكون ثابتًا لكن تختلف طبيعة الكلام، ولعل أشهر "ميم" تلك الشخصية الصينية التي عادة ما تضحك بصورة هيستيرية أو حتى "ميم" يجسد شخصية مشهورة (فنان أو سياسي شهير) ظهر في موقف ما، ثم يأتي شباب السوشال ميديا ويضعون عبارات ضاحكة وفكاهية على هذه الصور وتنتشر انتشار النار في الهشيم، أو حتى "الإيموجي" الساخر الشهير الذي يبكي من فرط الضحك والسخرية، وكلي يقين أنَّه لا يكاد أحد لا يستخدمه على الواتساب أو أي وسيلة تواصل اجتماعي أخرى. ولنا مثلًا أن ننظر إلى تفاعل العمانيين مع الرسالة التي وردت للكثير من عملاء أحد البنوك في وقت متأخر من الليل، بأنه تمَّ خصم مبلغ ما بسبب عدم وجود رصيد كافٍ، الأمر الذي فجَّر موجة من السخرية والتعجب في الوقت نفسه من هذه الرسالة، ولعل أشهر ما كتبه أحدهم: "الخطة الليلية: فريق ينام وفريق يُراقب الرصيد"، وقالت أخرى: "فلوسي بربطهن في ليسو.. أخير لي.. مابا بنوك"، وأحدهم حذف شعار البنك وكتب: "بنك نص ريال يرحب بكم"، وكل هذه العبارات إنما تعكس نمو الحس الساخر والفكاهي لدى العُمانيين لتجاوز المشكلات والتحديات، وهو ما يفسره خبراء علم النفس، بأنه محاولة من الشخص الساخر للهروب من مواجهة بعض مشاكله، لأنه قد لا يملك الحلول، أو كما نقول "لا حول له ولا قوة".

السخرية لا تتوقف عند المشكلات الحياتية وحسب، وإن كانت تستحوذ على الجانب الأكبر، لكنها وصلت أيضًا إلى السخرية من الأعمال التلفزيونية أو السينمائية أو الإبداعية، أو حتى السخرية من شكل سيارة جديدة أو زي جديد يعتبره البعض "موضة"! الحس الساخر يعكس كذلك تخلي البعض عن التجهم، ويشيع حالة من البهجة والمرح في المجالس أو عند التنزه أو اللقاءات العائلية. ومما نتميز به في سخريتنا أننا لم نسخر يومًا من خلق الله أو نسبب حرجًا لأي شخص، لكن السخرية من أنفسنا من باب الكوميديا ليس أكثر، ولا أعتقد أن هناك ساخرًا يمارس سخريته من أجل الانتقاص من قيمة أو خُلق أو إنسان، فلله الحمد العماني معروف بطبعه الجميل الخيِّر، ومشهور بطيب كلامه وحسن خلقه في تعامله مع الآخرين، والحياة من حولنا تُؤكد ذلك على مرِّ العصور.

ولا ينبغي لأحد أن يضيق صدره تجاه عبارة ساخرة ضد موقف ما، أو يرفض نكتةً قالها أحدهم من باب المزاح لا أكثر ولا أقل؛ بل علينا أن نُمارس الضحك المُباح؛ لأنه يساعدنا على تجاوز الضغوط النفسية.

بقي أن أقول إنِّه إذا كان إخواننا المصريين عُرفوا بحس الفكاهة والسخرية وهم من قدموا لنا الأفلام والمسرحيات الكوميدية، فالعمانيون قادمون بقوة لأنَّ قدرتهم على السخرية والمزاح قفزت بصورة غير متوقعة (ههههههههه).

الأكثر قراءة