نوفمبر يا صانع المعجزات

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

شهر نوفمبر ليس كغيره من شهور العام بالنسبة لي وللكثير من النَّاس كذلك؛ ففي غرة هذا الشهر انفجرت أعظم ثورات التحرر في القرن العشرين وهي ثورة الجزائر، وفي الثامن عشر منه وُلد أعزَّ الرجال سلطان القلوب قابوس بن سعيد رحمه الله رحمة واسعة وتقبله مع الأصفياء من عباده.

ثورة نوفمبر المجيدة حققت الاستقلال للجزائر الحبيبة وأعادتها إلى حضن العروبة والإسلام، بعد احتلال بشع دام نحو 132 عامًا، ثورة ألهمت العالم بأحراره ومناضليه وشعرائه، فألهبت الرصاص والقلم، فكانت بحق ثورة رصاص بنادق ورصاص ألسنة وأقلام.

والثامن عشر من نوفمبر أهدى لعُمان زعيمًا مُتفردًا في عقله وإنسانيته ونظرته كحاكم مُهاب وأب حنون؛ إذ إنَّ قابوس تفرد في كل شيء بدءًا من اسمه وانتهاءً بجنازته.

في نوفمبر، رخصت الأنفس والدماء في سبيل حرية الوطن، وتفتقت عقول المجاهدين في أساليب وفنون قتال قوة غاشمة كانت تُمثل حلفًا عسكريًا كحلف الناتو في زمانها وهي فرنسا، وأجبروها على التفاوض ثم الانسحاب والاعتراف قسرًا بعروبة الجزائر واستقلالها وسيادتها، بعد أن كانت تُعرف في أدبياتهم ومفرداتهم السياسية والإعلامية بالجزائر الفرنسية.

وفي نوفمبر، التحم قابوس الفرد بالجماعة والجغرافيا حتى أصبح قابوس مثل عُمان وعُمان مثل قابوس؛ فبينهما تكامل عضوي إلى حد التطابق وحلف يشبه حلف الدم والتراب، فإذا كان قابوس لم يختر نوفمبر شهرًا لولادته ولكنه اختار شهرًا ويومًا محددًا لفجر حكمه وهو الثالث والعشرين من شهر يوليو؛ ليلتحم مع تاريخ ثورة خالدة فجرها وقادها الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر.

رمزية القدر في اختيار الشهور للعظماء من مواليدها، تساوي رمزية اختيار العظماء لأيامهم وتواريخها ومنجزاتهم لاحقًا، وقد كان قابوس أحد أبرز العظماء في الاختيار والرمزية والدلالات والذوق والجمال.

حين يزورنا نوفمبر من غرته إلى نهايته نتذكر قابوس، وكأنه من اختار نوفمبر وطوعه لمُنجزاته وذاكرته وولادته، وليس من اليسير أن يطغى شخص بسيرته وذكراه على شهر وجد منذ زمن بعيد، لكن قابوس تمكن من ذلك في وجدان العُمانيين ومشاعرهم.

أحبَ قابوس نوفمبر وحببنا فيه، فأصبح نوفمبر شهرًا مُميزًا في عُمان، شهر أنوار وضياء وأفراح ومناسبات وفعاليات ومُفردات تنمية عظيمة، لهذا كنَّا نترقب نوفمبر ونتلمس غرته كهلال شهر قمري يبشرنا بعيد من الأعياد الربانية.

في الجزائر الحبيبة، تَجسَّد نوفمبر وترسَّخ في العقول والوجدان بالنضالات والجهاد والتضحيات الدموية لأجل انتزاع حرية الوطن من المستعمر الفرنسي الغاصب، وفي سلطنتنا الحبيبة تَجسَّد نوفمبر وترسَّخ في عقولنا ووجداننا بالنضالات والجهاد والتضحيات السلمية لبناء الوطن وترجمة طموح قائد من طراز خاص، لأجل انتزاع عُمان من حظيرة التخلف والجهل والفقر والمرض وإعادتها الى جادة التاريخ بعد عقود من النزهة القسرية خارجه.

ليس من اليسير إعادة وطن بحجم عُمان إلى قيد التاريخ لولا وجود قيادة قرأت التاريخ وفككته وأعادت تركيبه لتصبح عُمان من صُنّاعه مجددًا. هنيئًا لنا بنوفمبر وهنيئًا لنوفمبر بالتضحيات والتحرر والبناء والإعمار، وهنيئًا لنا بذكرى زعيم بحجم قابوس، والذي كان ندًا لثورة بقامة ثورة نوفمبر في ولادته وندًا للزعيم كعبد الناصر في اختيار تاريخ عهده، فهكذا قدر العظماء دائمًا؛ حيث يهديهم التاريخ مكانة ثم يهدون للتاريخ شرفاً بذكرهم وسيرهم ومنجزاتهم.

قبل اللقاء: يقول الشاعر الجزائري بوزيان الدراجي في نوفمبر:

نوفمبر يا صانع المعجزات * ويا غرة الدهر والسنوات

ويا نهضة للعلا، للحياة * ويا فخر شعب جنا الثمرات

ويا شعلة العزو المكرمات * ويا وحدة الشمل بعد الشتات

ويا نفحة النصر في الثورات * ويا صرخة الحر في الكائنات

لتحيا الجزائر فخر العرب. وبالشكر تدوم النعم.