د. مجدي العفيفي
(1)
على الرغم من أنها دبلوماسية، إذ عملت بوزارة الخارجية منذ عام 1975 حتى 1981 ثم وصلت إلى منصب سكرتير أول وتألقت سنوات في مجالات المؤتمرات والمنظمات الدولية والإدارة السياسية، وعلى الرغم من أنها علمية الدراسة والتحصيل الفكري، إذ حصلت على «البكالوريوس» من كلية العلوم جامعة القاهرة، وتتقن التحدث وبطلاقة ثلاث لغات أجنبية: الإنجليزية، الفرنسية والفارسية، إيمانا منها بأن "اللغة حياة وأفق واسع يفتح به الإنسان أدوات التواصل مع ثقافات أخرى للتفاعل الإنساني بين البشر"، وعلى الرغم من أنها نجحت وبقوة في المساهمة الخلاقة لإبراز الوجه المشرق للمرأة العربية دولياً في مجال المال والأعمال، وهي التي أسست جمعية النهضة العُمانية وكانت أول رئيس لها، إلا أن التاريخ السياسي لنساء عُمان يسجل لـ«شكور بنت سالم الغمارية» أنها أول امرأة في تاريخ عُمان تفوز في انتخابات مجلس الشورى (1995 - 1997) - ومعها المذيعة «طيبة المعولية»، ثم كان تعيين شكور بمرسوم سلطاني في مجلس الدولة، وهما الجناحان اللذان يشكلان مجلس عمان، برلمان عمان وصرحها النيابي، وكانت هذه المشاركة هي المشاركة الأولى للمرأة العمانية وعلى المستوى الخليجي كذلك.
- شكور بنت سالم الغمارية
(2)
"منذ مدة طويلة وأنا أعتقد أن إبعاد المرأة من لعب دور حيوي في حياة البلاد يعني في الأساس استبعاد 50% من إمكانيات وطاقات البلاد، واليوم فقد بلغت المعايير التعليمية وسط النساء مستويات مرضية، وأصبح من الواضح أنهن على استعداد لقبول المسؤوليات الدقيقة للتعبير عن الرأي السياسي". في ضياء هذه العبارة التي قالها السلطان قابوس- رحمه الله رحمة واسعة- للصحافة الأجنبية في العشرين من شهر أبريل 1995 عززت المرأة العمانية وجودها، ليصبح تواجدها أكثر جلاء على خريطة المجتمع الذي ساعدها بدوره، حين تقبل خطواتها الجديدة قبولا حسنا، وأحسنت هي التعامل بالتفاعل، سعيا إلى التكامل مع الرجل، ليحلق طائر المجتمع بجناحيه، أخذًا وعطاء، في معادلة تستمد أطرافها من الرؤية التي تنتظم مسارات المجتمع.
جددت المرأة العمانية ذاتها، في كل طريق شقته، وفي كل مجال سلكته، وفي كل منصب تولته، وفي كل تجربة تحاورت معها شكلا ومضمونا، لتشكل من كل أولئك، أكثر من ظاهرة تستقطب الرصد والتحليل، لاسيما أن ملامحها قد تبلورت وخصائصها تجاوزت الفردية، لتصبح ظاهرة مستقرة وعملية مستمرة، تأسيسا على الوضوح في الرؤية، والتجديد في الأداة، والجدية في الطرح، ومن ثم ننتقي ثلاث ظواهر تتحرك بها موجات المجتمع.
(3)
تتجلى الظاهرة الأولى (برلمانيا) باعتبارها الأكثر استقطابا، ليس فقط بحداثتها، وإذا كان هذا مهما، فإن الأهم استمراريتها.
وتتحلى الظاهرة الثانية (اقتصاديا) تأسيسا على دخول المرأة العمانية دنيا الأعمال الحرة، التي لم تعد حكرا على الرجل وحده؛ بل إن من خيوط عباءة العمل الحر، نسجت المرأة بعض خطواتها إلى العمل السياسي العام.
وتتسامى الظاهرة الثالثة (ثقافيا) في القلم النسائي بمداده الفني والأدبي والإعلامي، وفي هذا السياق ثمة ومضات منتخبة، وقطرات منسكبة، من الشفاه التي تمارس عملية الجلاء الإبداعي، بالمعنى الأعمق للقلم، كأداة تمييز، انتقل وارتقى بالإنسان من المرحلة البشرية، إلى مرحلة الأنسنة.
ولأن سياق هذه الحلقة هو سياق سياسي برلماني في المقام الأول، باعتبار أن بطلة الحلقة امرأة سياسية في أكثر ملامحها تاريخا وتأريخا، فإني أتوقف إزاء رمز للظاهرة الأولى التي أشرت إليها قبل سطور، سعيا إلى تذكير الأجيال الجديدة والمتلاحقة على الساحة العمانية بممثلات جيل الريادة في العمل المجتمعي، إذ السياسة لا تفصل عن المجتمع بسطوع تجلياته، وتعدد شرائحه، وتشابك أطيافه.
وفي هذا السياق أؤكد مجددا أنه ما أحوجنا إلى منهجية التوثيق والتحقيق والتدقيق، بعيدا عن تدبيج «الإنشائيات» التي يمثل ضررها أكثر من نفعها، ولم يعد المجتمع براهنه في التلقي يتقبله قبولا حسنا ولا حتى مجاملة، فقد تجاوز كل مراحل التجريب حتى استقر على شاطيء العطاء ذات اليمين وذات الشمال، وعنوانه رابض على حروف اسم عمان.
(4)
عام 1995 طيرت عبر وكالات الأنباء ذلك النبأ الجديد والجدير بالتوقير السياسي، وفي بريقه حاورت شكور الغماري على صفحات جريدة السياسة الكويتية- التي كنت مدير مكتبها في مسقط مع سبعة من كبيرات الصحف والمجلات العربية والأجنبية- ثم تكررت اللقاءات الصحفية، والجدليات الفكرية، والحواريات الإنسانية.
وفي تلك المحاورة تجادلنا حول ثلاث نظـرات رجالية للمرأة، وقالت شكور إن المرأة العمانية ذات الوجه السياسي لم تواجه صعوبات كثيرة، إدراكا منها لأكثر من نظرة من الرجل.
فالنظرة الأولى يتعامل أصحابها مع المرأة باحترام وتشجيع، من منطلق أن المرأة زميلة للرجل، جديرة بالتقدير، ومن ثم يدفعونها إلى مزيد من العطاء، وهذه هي النوعية الواعية الواثقة من نفسها.
والنظرة الثانية تستقبل المرأة بحذر شديد بل وعدم ارتياح، اعتقادا من أصحابها أن المرأة العاملة اقتحمت مجالا لا ينبغي أن تتواجد فيه، وأنها استولت على فرص عمل هي من حقه وهو الأولى بها.
والنظرة الثالثة ينظر أصحابها إلى المرأة كأنها "عنصر محرم" لا مكان له إلا في البيت، هذه النوعية من الرجال، ليس لديها ثقة في أن المرأة يمكن أن تتوازى مع الرجل في الأداء الوظيفي، ولا يمكن أن يتقبلوا فكرة رئاسة المرأة أو تفوقها عليهم، حتى بمعيار الكفاءة والخبرة، نتيجة مؤثرات بيئية باهتة.
وقد تعاملت المرأة السياسية، مع هذه النوعيات الثلاث، بشكل أو بآخر، وتجلى لها أن المرأة هي المسؤولة عن نظرة الرجل إليها، بيدها أن تغير المنظور السلبي لها من قبل الرجل، وبيدها أيضا أن تطور من النظرة الايجابية.
(5)
وكسمة مميزة لجيل الرائدات اللائي ارتبطت أسماؤهن بالعمل العام، نذرت شكور سني حياتها- أطال الله عمرها- لخدمة وطنها، فكانت ضمن أول سبع سيدات عربيات يتم تكريمهن بجائزة المرأة العربية عام 2004 في رحاب جامعة الدول العربية.
وتحفل الذاكرة العمانية بفوز شكور الغماري بجائزة المرأة العربية المتميزة في حقل المشاركة البرلمانية والعمل العام على مستوى الامة العربية، وكما تشير أدبيات هذه الجائزة أنها «الأولى من نوعها لمركز دراسات مشاركة المرأة العربية والتي تهدف إلى إبراز الوجه المشرق للمرأة العربية وتأكيدا على النجاحات التي تحرزها والأدوار المتنوعة التي تلعبها على جميع الأصعدة» يومها أهدت شكور الجائزة إلى المرأة العمانية، وقالت:«إنها تضعها أمام تحد أكبر على مستوى العالم العربي، مبينة أن المرأة العمانية قادرة على النجاح متى ما قررت ذلك، سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم علمية أم اجتماعية».
وعلى المستوى الأسري تألقت شكور الغماري، كسيدة مجتمع، فهي أم وزوج ناجحة لأربعة أبناء، ومن هذه المنارة العائلية وبما تمتلكه من إحاسيس عالية بالمسؤولية، أسست جمعية رعاية المعاقين، لتضيف لبنة إنسانية في مسارها الحياتي. كما يجمع على ذلك المراقبون.
(6)
تخبرنا الذاكرة النسائية- وأنا من الشاهدين على أوراقها وصفحاتها وتحولاتها- أن شكور الغماري من الرائدات الأُول في تأسيس وانطلاق مسيرة جمعية المرأة العُمانية بمسقط منذ العام 1970، ومنها انطلقت إلى العمل العام، باعتباره- كما تؤكد الأدبيات السياسية- الميدان الحقيقي للتعبير عن هموم الوطن وقضاياه من ناحية، ومن ناحية أخرى لتفعيل وتطوير مشاركة المرأة العربية في بناء وطنها ومجتمعها» فالمجتمع- كما ترى شكور ذاتها- يجب أن يحلق بجناحيه الرجل والمرأة في مسيرة التنمية، وهو المجتمع الذي يشهد لها أنها صاحبة مشاركات فعالة في الكثير من المنتديات البرلمانية الإقليمية والدولية.
(7)
وتبقى شكور بنت سالم الغماري أول امرأة برلمانية في التاريخ السياسي لنساء عمان، وتتجاور مع جيل الرائدات اللائي مهدن الطريق وعبدنه بالجهد والتعب لتسلكه الأجيال النسائية بيسر أكثر وعطاء أفضل.
وللسردية النسائية الرائدة بقية.. إن كان في العمر بقية.